آخر الأخبار حياتناحياتنا

محمد قنيص يواجه المعوقات بشجاعة ويندمج اجتماعيا ومهنيا

ربى الرياحي

عمان – لم يستسلم الشاب محمد قنيص ابن الـ (23 عاما) لقسوة الواقع وغياب تقدير البعض لقدراته رغم وضعه الخاص، بل بالرغم من كل الصعوبات أراد هو أن يتحلل من تلك التصنيفات الظالمة، والتي تجبره على الانزواء والتخلي عن حياة يطمح أن يعيشها بكل ما فيها من استقرار وتقبل.

محمد كغيره من الشباب يبحث عن نفسه وعن كل ما يحقق له الاستقلالية والثقة داخل مجتمع مزدحم بالعراقيل والتقييمات المفتقرة للعدالة. هو يحاول جاهدا أن يختار مسارا يتواءم وإمكاناته ومهما كانت المسارات ضيقة ومحدودة، إلا أنه وبمساعدة أسرته يصر على أن يندمج في المجتمع ويكون له عمل يلبي من خلاله احتياجاته الأساسية.

نقص الأكسجين أثناء الولادة هو السبب الذي غير حياة محمد وجعله في مواجهة أصعب مع الواقع. تقول والدته في البداية لم نكن نعرف ما هي مشكلة محمد بالضبط لذلك كان التشخيص هو أن ابنها يعاني من شد أوتار في قدميه، الأمر الذي أثر على حركته لكن بالتدريج ومع مرور الوقت بدأ يتكشف لهم كعائلة أن محمد لديه مشاكل أخرى في النطق والنظر وحتى في الإدراك.

وتبين أن التعامل مع محمد كشخص ليس صعبا أبدا، بل هو قادر على التأقلم مع الظروف، وسريع التعلم يعتمد على نفسه في كل شيء تقريبا. تقول منذ أن كان صغيرا “حاولنا جميعا أن نرعاه ونحيطه بالحب والاهتمام لم نتركه بمفرده”، والحرص على دعمه وحمايته وإمداده بالقوة، وتشير إلى أنهم كأسرة اهتموا كثيرا بتعليمه ما يحتاج حتى يستطيع العيش بسلام وكرامة، إضافة إلى تقويته نفسيا وتمكينه من التمييز بين الخطأ والصواب

إكماله لدراسته لم يكن أمرا هينا عليه حالت بينه وبين نجاحه بعض العقبات، ولأنه يحب أن يختلط بالمجتمع ويتعرف على أشخاص جدد أبى أن يظل سجينا بين أربعة جدران لم ترق له فكرة أن يكون عالة على من حوله، لذا وجد أن من الضروري أن ينخرط في سوق العمل ويحصل على وظيفة تناسبه وتضمن مستقبله.

تقول الأم أن حصول محمد على وظيفة وتقبل أرباب العمل لتشغيله أمر لم يكن له أن يصبح واقعا لولا أرادة الله وتدخل جمعية سنا، موضحة أن جميعهم كأهالي يدينون بالشكر الوفير لهذه الجمعية على الجهود المبذولة من أجل تشغيل أشخاص يبحثون عن الدعم والتقبل والاحترام أقصى أمانيهم أن يجدوا من يحتويهم ويثق بهم ويتعامل معهم فقط بإنسانية.

وتنوه الأم إلى أن الجمعية لها دور كبير ومهم في التخفيف عن الأهل ومساندتهم فهي ولكونها السباقة في هذا المجال تسعى بكل إمكاناتها إلى تغيير واقع الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية ومتلازمة داون، وتهدف إلى دمجهم في سوق العمل وإضفاء قيمة لوجودهم.

تقول معاناة الأهل في أغلب الأحيان تكون مضاعفة، وخاصة إذا كان الابن غير مدرك تماما لوضعه، لذا فإن المساندة في مثل هذه الحالات ترفع من معنويات الأهل وتحفزهم على تقديم الأفضل لفلذة كبدهم.

إيمانهم وإحساسهم بالدعم، وتصميمهم على تحصيل حقوق أبنائهم هي كلها أمور تجعلهم يشكلون قوة ضغط على المجتمع.

عمل محمد مدة سنتين في كرم بيروت، لكنه اضطر لترك المكان مع قدوم جائحة كورونا والتأثير السلبي الذي سببته للجميع، وبقي متفرغا طيلة تلك المدة ورغم أنها كانت فترة صعبة جدا إلا أنه استطاع أن يتخطاها ويخرج منها أقوى، ولم ييأس يوما بل ظل متحصنا بمحبة المحيطين به.

تقول الأم راحة كبيرة تشعر بها اليوم وتحديدا بعد حصول ابنها على وظيفة جديدة في مطعم خبز وشاورما، لافتة إلى أنه سعيدة جدا بعمله مع أشخاص على قدر كبير من الرقي والاحترام يتعاملون مع محمد باهتمام ويحاولون بشتى الطرق دعمه وحمايته.

وتوجه الأم رسالة مهمة للمجتمع تتضمن دعوة حقيقية للجميع من القلب؛ “اسمحوا لهم أن يعيشوا بكرامة أن يكونوا معكم وبينكم ساعدوهم ليكونوا جزءا اساسيا من المجتمع”، مبينة أن التعامل معهم يجب أن يكون مريحا وبعيدا عن الشفقة الجارحة أو الاستعلاء.

وتسعى جمعية “سنا” لتحقيق العدالة والمطالبة بحقوق الأشخاص من ذوي الإعاقة، لإيمانها بمهاراتهم وإمكانياتهم وقدراتهم الكبيرة؛ وحقهم في العيش بأمان ومساواة، والسعي وراء تشغيلهم وانخراطهم بالمجتمع.

أعضاء الجمعية، بينهم أهال لأبناء من ذوي الإعاقة الذهنية، يعملون على تأهيل هؤلاء الأبناء ودمجهم في المجتمع وتمكينهم من الحصول على حقوقهم كاملة بعيدا عن الشفقة أو المنة.

الجمعية أطلقت برنامج لتشغيل ذوي الإعاقة الذهنية بالتعاون مع المجلس الأعلى لحقوق ذوي الإعاقة وذلك في نهاية العام 2015. والهدف من البرنامج هو دمج الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية في سوق العمل من خلال خدمة مدرب العمل، ويتم ذلك عن طريق مرافقة هذا الشخص للمتقدم للوظيفة والعمل على تدريبه في نفس بيئة العمل بعد التقدم بطلب توظيف للجمعية.

ويأتي دور القائمين على برنامج التشغيل بعمل تقييم أولي للشخص من ذوي الإعاقة الذهنية، ويكون ذلك بجمع معلومات شاملة عن مهاراته الشخصية والتأهيلية والمهنية والاجتماعية والتأكد من القدرات التي يمتلكها.

ولدى الجمعية مرجعية واضحة عن الشخص من ذوي الإعاقة الذهنية، وبالتالي يصبح من السهل إجراء مطابقة وظيفية بين قدراته ومتطلبات العمل ليأخذ مكانه المناسب، بالإضافة إلى تقييم بيئة العمل ومعرفة ما إذا كانت تتواءم وضعه أم أن هناك عوائق من الصعب تذليلها وتجاوزها.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock