مخاطر الإباحية الرقمية على الأطفال

د. محمود أبو فروة الرجبي

يحق للأهل أن يشعروا بالخوف الشديد من عالم الرقمية (الإنترنت وتوابعه) على أطفالهم، ففي السابق كان لا بد للطفل من الذهاب إلى موقع الخطر ليقع فيه، ولكن اليوم يحصل العكس، فالخطر موجود حولنا في كل مكان.اضافة اعلان
سنناقش هذه الـمسألة في حدودها، وبعيدا عن التهويل، ويمكن أن نسلم في البداية أن الإنترنت مليء بالمخاطر، والسلبيات، وما يمكن أن يعيق تطور الطفل الوجداني، والعاطفي والمعرفي، والمهاراتي، ولكن في الـمقابل، وخلافا لما هو متوقع، فهو مليء بالفرص والإمكانيات لنمو سليم ولزيادة ذكاء الطفل وقدرته على التفاعل الاجتماعي السليم.
الإشكالية الكبرى في طريقة تفكير العقل العربي، وهذا قد ينسحب على أطفالنا، أن هذا العقل متعود تاريخيا – وفي أحيان كثيرة- على التعامل السلبي مع أكثر الأشياء إيجابية، بل وتفريغ الفرص الكبيرة من مضمونها، وجعلها سلبية، وهذا ما انطبق تماما على الإنترنت في غالب الأحوال.
صحيح أن الإنترنت مليء بالإباحية، وأنه لا يمكن من الناحية العملية السيطرة الكاملة على هذا الـموضوع، فقد يأتي إعلان منبثق فجأة لطفلك فيه مضامين لا تقبل أن تظهر له، وقد يدخل صدفة إلى موقع لا ترغب أبدا بدخوله لطفل لا يجب أن يرى مثل هذه الأشياء، ومع ذلك يمكن تقليل هذا الخطر إلى أقل حدود.
الخطوة الأولى لحماية الطفل من الإباحية هو تخصيص جهاز خاص به، لا يتم البحث من خلاله إلا فيما يتعلق بالأطفال، فجزء من المضامين غير الـمناسبة التي تظهر للطفل لها علاقة بالخوارزميات التي تتبع كل ما تبحث عنه، وما تقوم به من سلوكيات من خلال الإنترنت وتجعله متاحا لك من خلال التطبيقات، أو عن طريق منصات التواصل الاجتماعي أو بعض الألعاب، لهذا يجب عمل بريد رقمي خاص بجهاز الطفل، وتصفح المواقع الآمنة من خلاله منذ اللحظة الأولى لشرائه، كي ترسم الخوارزمية صورة طفولية لاحتياجات صاحب الجهاز.
أما برامج الحماية الـمختلفة فهي تحمي لحد معين، وبعضها فعال بدرجة كبيرة، ومع ذلك لا تحمي تماما، وهناك بعض السلوكيات الوقائية مثل عدم ترك الطفل مع الجهاز وحده، واعتبار وجوده مع أي جهاز رقمي، وكأنها خلوة خطيرة، وتعويد الطفل – دون إظهار ذلك له – أن النشاط الرقمي لجميع أفراد العائلة يجب أن يكون علنيا وامام الجميع، لأن شعور الطفل أنه غير ثقة، ومراقب لا يساهم في بناء شخصيته، وثقته بنفسه.
وأهم خطوة في بناء الحماية للطفل هي تطوير قدراته، وسلوكياته، وثقافته، من خلال الحوار الدائم معه، وتوفير بدائل تجعله يتفاعل مع محيطه بشكل إيجابي، مثل الألعاب الشعبية التي تحدثنا عنها في مقال سابق، وقراءة القصص، والكتب، والبحث الدائم عن نشاطات تشارك فيها العائلة كلها قدر الإمكان، وبذلك نطبق استراتيجية إبعاد الطفل قدر الإمكان عن هذه الأجهزة، إضافة إلى البحث عن صحبة جيدة من الأطفال في مثل عمره، وتنسيق نشاطات دائمة معهم، وهذا كله يصب في الاتجاه الذي نحاول معالجته.
لا يمكن بحال من الأحوال أن نبعد طفلنا عن رؤية ما لا يجب رؤيته، فهذه حياة، وأحيانا تفلت بعض الأشياء منا، وقد لا نستطيع السيطرة على محيط الطفل تماما، ولكن من الـمهم أن نحاول، وفي حالة تعرض طفل لمثل هذه المضامين ألا نركز عليها، ونقيم الدنيا ولا نقعدها، كي لا يترسخ الأمر في ذهن الطفل، بل معالجة الـموضوع بهدوء، ومعرفة الثغرات التي وصلت من خلالها المضامين له، والعمل على إغلاقها، مع تعويد الطفل على المصارحة الدائمة.
تربية الطفل ليست سهلة، ولا يمكن لأي شخص في العالم أن يخرج طفلا يشببه في كل شيء، أو أن يكون مثلما يريد تماما، والإنسان معرض في حياته للصدمات، أو بعض العثرات التي تشكل جزءا من التربية وبناء شخصية الطفل، وفي النهاية يصل غالبية الأطفال الذين يعيشون في بيئة سليمة إلى بر الأمان.
يحق للأهل الخوف من المضامين الإباحية في الإنترنت على أطفالهم، ولكن الخطوات البسيطة التي ذكرت في هذا المقال قد تساهم في الحد منها، ونتمنى السلامة والتربية الصالحة لكل أطفالنا في بلدنا الأردن ووطنا العربي الكبير، والعالم اجمع.