مخاوف الحرب ومخاوف السلام في العلاقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين

 يخترق الخوف العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية، ويشعر كل من المحتل والذي يعاني من الاحتلال بمخاوف معمّقة فيما يتعلق بهويته وأمنه وبقائه. ولكن من التنافضات الساخرة أيضاً وجود مخاوف تنبع من احتمالات إنهاء النزاع وتحقيق السلام.

اضافة اعلان

ومن التناقضات المؤلمة في الديناميكية الفلسطينية الإسرائيلية أن بعض الآليات التي تستخدمها من دون وعي للتعامل مع الخوف أحياناً تنزع لأن تفاقم هذا الخوف، وبالتالي إفشال أية تحركات باتجاه السلام. ويمكن لإدراك ذلك وكشف القناع عن طروحات الخوف، والنظر كذلك إلى النزاع على أنه مجرد ناحية واحدة من نواحي العلاقة بين شعبين مرتبطين معاً بنظام واحد تبادلي الاعتماد، يمكن أن يساعدنا على التغلب على بعض هذه المخاوف.

ينظر الإسرائيليون والفلسطينيون إلى بعضهم بعضاً أحياناً عبر تعابير متصلبة مستقطبة مثل "نحن الجيدون وهم السيئون". ويشكّل هذا في الواقع تعبيراً عن آلية نستخدمها للتعامل مع الخوف، حيث تعكس نواحي غير مرغوبة من نفسنا أو مجموعتنا على الآخر. ينزع كل طرف لأن ينسب جميع العنف واللإنسانية والظلم إلى الآخر، بينما يدعي السلطة الأخلاقية الكاملة لنفسه. وفي الوقت الذي يمكن لهذه الآلية أن تساعد الناس على الشعور بحال أفضل لأنها تولّد شعوراً بالقوة الأخلاقية والوضوح في وجه الخطر والارتباك، إلا أنه ليست لها بالضرورة أية علاقة بالواقع، وبالتالي لا تساعد على الحد من الخوف. واقع الأمر أن العكس صحيح، فهي تعزز الخوف من خلال جعل الطرف الآخر يبدو أسوأ مما هو في الواقع.

يرى كل من الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم ضحايا، ولكن لأسباب تاريخية وحالية مختلفة بغض النظر عن عدم المساواة الهائل في السلطة والقوة والسيطرة، ليس هناك سوى اعتراف قليل جداً من قبل أي من الطرفين فيما يتعلق بأدوارهم كمضطهدين في النزاع.

أما دور الضحية فهو أكثر تعقيداً مما يبدو. ورغم أن التركيز قد يكون على المعاناة، إلا أنه يولّد كذلك شعوراً معمقاً بالاستقامة الذاتية وتبريراً لكميات زائدة من العنف واللإنسانية تجاه الآخر. فكر فقط بكمية العنف التي تُرتَكَب باسم الدفاع عن الذات والأمن.

يمكن للحاجة للحفاظ على الشعور بالاستقامة الذاتية التي تأتي مع الشعور بكون الإنسان ضحية أحياناً أن تكون أكثر أهمية من الأمن. جعلت هذه الحاجة كلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين يستفزون بعضهم وبأساليب مختلفة نحو تشديد دور المضطهِد. يعزز العنف الذي يتم استفزازه نتيجة لذلك "الدلائل" على الطبيعة الوحشية واللإنسانية للعدو. وعندما يحصل ذلك نستطيع أن نرى كيف يجري تحمُّل الخوف من النزاع العنفي أحياناً بطريقة أفضل من الخوف من خسارة موقع المرء الأخلاقي والشعور بالذنب والعار الناتج عن الاعتراف بأن المرء ليس فقط ضحية وإنما مضطهِد كذلك.

يمكن ربط هذه العمليات في نهاية المطاف بخوف لا يتم الاعتراف به بشكل عام من السلام. يمكن لاستمرار عنف يكون فيه أحد الأطراف جيدا بشكل كامل والطرف الآخر سيئا بشكل كامل أقل إخافة من العالم المعقّد الذي توفره احتمالات السلام مع الجار. تُعرَّف الحرب في الغالب على أنها أحد أساليب توحيد شعب ما في الخوف ضد عدو مشترك. وهي كذلك أسلوب لحماية أناس من اضطرار مواجهة دورهم الثنائي كمضطهدين وضحايا، وكافة الغموض الأخلاقي والنزاع الشخصي الداخلي المؤلم الذي يعنيه ذلك ضمنياً.

يسمح استمرار النزاع كذلك للناس أن يتمسكوا بالوهم الأناني المريح من السيطرة الكاملة، الذي يتشارك فيه العديد من الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، حيث إنهم إذا تمكنوا من الصمود بشكل كاف فسوف يختفي العدو وتتم تبرئتهم بشكل كامل، وينتهي الأمر إلى ما يريدونه بالضبط.

وقد يولّد احتمال السلام كذلك خوفاً من الطبيعة المجهولة للعلاقة التي ستنشأ داخل هذا الواقع الجديد (رغم أنه ينشأ بصور مختلفة للإسرائيليين والفلسطينيين)، والأثر الذي يمكن أن يخلّفه على هوية كل جانب. فالأسلوب الذي يُنظَر من خلاله إلى أية علاقة وكيف يجري وصفها يؤثر على كيف يشعر الناس حيال هذه العلاقة.

لقد أصبحت عبارة "النزاع الإسرائيلي الفلسطيني" مرادفة للعلاقة بين شعبين. ويفرض هذا منظوراً مفاده أن العلاقة، بحكم طبيعتها، هي في الواقع، ويجب أن تكون علاقة نزاع.

ما يحصل لو استخدمنا بدلاً من ذلك عبارة "النزاع داخل العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية"؟ تقترح هذه العبارة أنه يمكن أن تكون هناك أمور أبعد بالنسبة للعلاقة بين الشعبين من مجرد نزاع. استبدال كلمة "نزاع" بكلمة "علاقة" يوفر مساحة لوجهة نظر متبادلة أقل عدائية وأقل خوفاً. عندما يلهم "النزاع" الخوف، تعني "العلاقة" إمكانية أسلوب مختلف في التعامل بين الناس، وهي توفر مساحة لتمييز وإبداع متزايدين، بل وحتى دعوة نحو الانفتاح والاحتمالات البنّاءة.

وحتى يتسنى التغلب على الخوف، من الأهمية بمكان أخذ نظرة من الأعلى والانتقال إلى منظور منهجي أكثر ارتفاعاً يعترف بكل من الإسرائيليين والفلسطينيين كأجزاء تعتمد على بعضها بعضاً من كلٍ أكبر حجماً بحيث لا يمكن تصفية أي من الجزئين أو السيطرة عليه أو استئصاله عن الآخر. يركز منظور كهذا على كيفية إدارة هذه العلاقة على أفضل وجه ممكن، في أبعادها المتعددة وتبادلية حقيقية. وهي ستأخذ احتياجات الأطراف كافة بعين الاعتبار وسوف تبحث في ازدهار ليس كل من الإسرائيليين والفلسطينيين فحسب وإنما النظامين الإسرائيلي والفلسطيني ككل.

يستطيع هذا المنظور الماورائي أن يجعل ليس فقط النزاع وإنما كذلك احتمالات السلام أقل إخافة. وهو ينادي، من خلال التركيز على الإنسانية والتنوع لكل من الطرفين المعتمدين على بعضهما بشكل متبادل، باستكشاف واكتشاف أدوار جديدة يستطيع كل طرف اتخاذها مقابل الآخر وهم يعملون معاً نحو إيجاد مستقبلهم المشترك لا محالة.

* تقيم لوسي نسيبة وتعمل في القدس الشرقية، وهي مؤسِسة ومديرة "الشرق الأوسط للاعنف والديمقراطية" ومديرة معهد الإعلام الحديث بجامعة القدس. الدكتورة شيللي أوستروف مستشارة تقيم في القدس.

هذا المقال جزء من سلسلة خاصة حول أثر الخوف على النزاع العربي الإسرائيلي.

خاص بالغد بالتبسيق مع  خدمة Common Ground الإخبارية

www.commongroundnews.org