مخاوف مصرية من رئاسة بايدن

Untitled-1
Untitled-1

هيثم حسنين* - (معهد واشنطن) 18/11/2020

على مدى الأعوام الأربعة الماضية، رحب الرئيس عبد الفتاح السيسي ونخب مصرية أخرى بالوضع القائم الذي يركز فيه البيت الأبيض على محاربة التطرف وتعزيز التعاون الأمني الإقليمي، من دون قيام الأخير بتحديهم علناً بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية. غير أن احتمالية قيام الإدارة المرتقبة لجو بايدن بإعادة صياغة أولويات السياسة هذه تثير قلق القاهرة بشأن اللهجة المستقبلية والمضمون المستقبلي للعلاقة الثنائية بين البلدين.
دواعي قلق مصر
في تموز (يوليو) من هذا العام، اجتاحت الصدمةُ مصر بمؤسساتها كافة حين غرّد بايدن -الذي كان ما يزال مرشحاً للرئاسة الأميركية في ذلك الوقت- على موقع "تويتر": "لا مزيد من الشيكات على بياض لـ‘الديكتاتور المفضّل’ لدى ترامب"- في إشارة إلى معاملة السجناء السياسيين في عهد السيسي. ثم تفاقمت تصورات القاهرة بشأن التهديدات المرتبطة برئيس من الحزب الديمقراطي في تشرين الأول (أكتوبر)، حين كشفت نسخة مترجمة من رسائل إلكترونية رُفعت عنها السرية وتعود لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون عن مدى علاقات إدارة أوباما مع مسؤولي "الإخوان المسلمين" خلال فترة حكمهم القصيرة في عهد الرئيس محمد مرسي وبعدها.
وتساعد مثل هذه المخاوف على تفسير ردود الفعل المصرية المتفاوتة على نتيجة الانتخابات. فعندما ألقى بايدن خطاب النصر في 7 تشرين الثاني (نوفمبر)، نشر المتحدث باسم السيسي بيان تهنئة على موقع "فيسبوك"، الأمر الذي جعل مصر أول دولة عربية تقدم على هذه الخطوة. وبالطريقة نفسها، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري حرص بلاده على مواصلة الشراكة مع واشنطن في مكافحة عدم الاستقرار في المنطقة. ومع ذلك، لم يقم السيسي نفسه بنشر أي تغريدة بشكل مباشر حول فوز بايدن، ويبدو أن الأوساط الإعلامية الرئيسية -التي غالباً ما تلعب دور الناطق غير الرسمي باسم حكومته- تشعر بالذعر بشأن عودة "الذكريات المؤلمة" الناجمة عن سياسات أوباما تجاه القاهرة في أعقاب الانقلاب ضد مرسي في العام 2013. ومن المرجح أن ينبع هذا القلق من أربعة عوامل رئيسية، هي:
الخوف من الإسلام السياسي: تبدو أوساط النخبة المحيطة بالسيسي مقتنعةً تماماً بأن بايدن سيتبع نهج أوباما، الذي رأوا أنه يتبنى دوراً للإسلاميين في السياسة الداخلية لمصر. وما يعزز هذا التصور هو واقع ترحيب أبرز شخصيات الإخوان المسلمين وإعلامييها المقيمين في تركيا وقطر بفوز بايدن -وهو ردٌّ يفوق أي خطوة جاءت من إسلاميي مصر تجاه الرؤساء الأميركيين السابقين. ومع ذلك، ظهرت أصوات أخرى في الكفة المقابلة لهذا الذعر. إذ قال وزير الخارجية السابق عمرو موسى إن الوضع اليوم يختلف عما كان عليه قبل سبعة أعوام لأن السيسي شدد قبضته على السلطة بشكل كبير، ما يعني أن التهديد المتمثل بعودة المعارضة بقوة لم يعد ممكناً.
انعدام حقوق الإنسان وغياب الانفتاح السياسي: تدرك القاهرة أن سجلّها الحافل في هذه القضايا كان ضعيفاً خلال الأعوام القليلة الماضية. وحتى مناشدات الرئيس ترامب فشلت في منع وفاة مواطن أميركي في سجن مصري، لذلك يرى المسؤولون في القاهرة فرصة ضئيلة لإقناع بايدن بتجنب مواجهتهم علانية في مثل هذه الأمور. كما أن كابوس الحكومة الأسوأ هو احتمال قيام واشنطن بالضغط عليها لتخفيف الإجراءات القمعية ضد السجناء من "الإخوان" والناشطين السياسيين الليبراليين. وقد يتسبب ذلك في إحراج كبير للسيسي أمام ناخبيه الأساسيين، الذين فقد الكثير منهم الثقة في حكومته لأسباب أخرى (على سبيل المثال، عدم قدرتها على تحسين ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية بشكل كبير).
الرغبة في تنويع السياسة الخارجية لمصر: من وجهة نظر السيسي، كان الخطأ الأكبر الذي ارتكبته القاهرة في عهد حسني مبارك يكمن في وضع كل أصولها في سلة واحدة، وهي الولايات المتحدة. ومن المعروف أن مبارك نفسه أعلن أن "الشخص الذي يغطيه الأميركيون عارٍ"، وتشارك أوساط السيسي هذا الرأي حول مخاطر الاعتماد المفرط على واشنطن. وبناءً على ذلك، سعت تلك الأوساط إلى الاستفادة من القوة الصاعدة لروسيا والصين. ومن وجهة نظرهم، سوف يتفوّق الصينيون على أميركا اقتصادياً على المدى القريب، كما أن الوجود العسكري الروسي المتزايد في الشرق الأوسط هو تطور مرحب به، لا سيما في سورية وليبيا. كما يبدون غيورين من تمكّن دول الخليج من الحصول على أسلحة أكثر تطوراً من واشنطن -ورداً على ذلك، بدأت مصر تشتري أنظمة أسلحة من فرنسا وألمانيا وروسيا بمعدل يبدو أنه لا يتماشى مع احتياجاتها العسكرية وميزانيتها الوطنية.
التوترات مع أثيوبيا: من وجهة نظر مصر، انخرط الرئيس ترامب بشكل فاعل وشخصي في تسوية الخلافات حول سد النهضة الإثيوبي الكبير؛ حيث أوعز إلى وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، للتوسط بين الطرفين. واليوم، تخشى القاهرة أن يكون بايدن أقل تعاطفاً مع وجهات نظرها بشأن هذه المسألة، وأنه قد يعكس التجميد الحالي لأجزاء من المساعدات الأميركية لأثيوبيا.
مصالح مشتركة في قضايا أخرى
لا ينبغي أن تحجب هذه المخاوف احتمالية تقاطع المصالح المصرية مع بعض سياسات بايدن، لا سيما فيما يتعلق بتركيا وإسرائيل. فمنذ أواخر العام الماضي، كان السيسي على خلاف مع أنقرة في النزاع المتقلب على الحدود البحرية بشأن التنقيب عن الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط. وبالشراكة مع اليونان، تحث مصر حالياً فريق بايدن على الاضطلاع بدور في هذا النزاع. وبشكل عام، سيكون من دواعي سرور القادة المصريين أن يروا واشنطن تتبنى موقفاً أكثر صرامة ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يعتبرونه المدافع الأول عن الإسلاميين السياسيين في المنطقة نظراً لاستعداده لاستضافتهم ومنحهم الجنسية.
وفيما يتعلق بإسرائيل، سيواصل المسؤولون المصريون النظر إلى علاقات العمل الجيدة مع القدس على أنها بوابتهم إلى أوساط السياسات في واشنطن -وهو المنفذ الذي قد يساعدهم على التخفيف من بعض مشاكلهم المحتملة في الكونغرس بشأن حقوق الإنسان وغيرها من القضايا. ومع ذلك، ونظراً إلى اتفاقات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل ودول عربية أخرى، ستتعرض القاهرة لضغوط شديدة لتبرير ممارستها طويلة الأمد المتمثلة المتمثلة في حصر الجوانب العامة للعلاقة بـ"السلام البارد".
التداعيات على السياسة الأميركية
يدرك القادة المصريون أنه اعتباراً من كانون الثاني (يناير)، لن يكون هناك مجال لتكرار نوع العلاقة الشخصية التي أقامها السيسي مع ترامب على مدى الأعوام الأربعة الماضية. ومن المحتمل أن يؤدي نزع الطابع الشخصي عن السياسة الأميركية إلى عودة القاهرة إلى تعزيز مصالحها عبر الاعتماد بشكل أعمق على العلاقات العسكرية، والاستفادة من علاقاتها الجيدة مع البنتاغون وإسرائيل. ومع ذلك، من غير المرجح أن يختلف السيسي عن غيره من الرؤساء المصريين في السعي للحصول على دعم أميركي أوسع، بغض النظر عما إذا كان هذا الدعم يأتي من زعيم ديمقراطي عارض انقلابه في العام 2013. ومن وجهة نظر السيسي، فإن جعل بايدن يعمل معه في الأعوام المقبلة سوف يمنح حكمه شرعيةً من الحزبين السياسيين الرئيسيين في أميركا.
ومن جانبها، ستستفيد إدارة بايدن من التمسك بأهداف متواضعة عند التعامل مع مصر، كضمان الإفراج عن جميع السجناء الأميركيين والمباشرة بالإصلاحات الاقتصادية اللازمة لتجنب كارثة مجتمعية على المائة مليون مواطن في البلاد. ويكاد يكون من المؤكد أن يرفض السيسي الدعوات لإجراء تغييرات أعمق، بدءاً من تخفيف الإجراءات القمعية التي تمنع "الإخوان" من العودة إلى معترك السياسة، وصولاً إلى الحد من نفوذ الجيش في السياسة والاقتصاد. ويقيناً، من غير المرجح أن تشكل مصر أولوية مبكرة لبايدن. ومع ذلك، فحالما تُحوِّل إدارته انتباهها إلى القاهرة، فإن وجود أهداف ملموسة وقابلة للتحقيق سيخدمها بشكل أفضل بكثير من الإصرار على إجراء تغييرات كبيرة محكوم عليها بالفشل على المدى القريب.

اضافة اعلان

*زميل "غليزر" السابق في معهد واشنطن، وهو محلل لشؤون الشرق الأوسط حيث يركز على الدبلوماسية التجارية والقضايا ذات الصلة.