مدارسنا المتهالكة وغياب العدالة

منذ أن بدأت السنة الدراسية الحالية ونحن نقرأ باستمرار عن تردي البنى التحتية لمدارس حكومية في مناطق مختلفة من المملكة وخصوصا في المحافظات.اضافة اعلان
أخبارٌ باتت شبه دورية عن انهيار قصارة أسقف على رؤوس الطلبة، وغرف صفية آيلة للسقوط، وبوابات غير آمنة، وأسوار متصدعة، حتى بتنا نضع أيدينا على قلوبنا ونستشعر أن أخطارا عديدة تهدد أبناءنا في مدارسهم.
بالتأكيد، الوضع ليس بهذا السوء في جميع المدارس، ولكننا نتحدث عن نسبة لا بأس بها تضم عشرات الآلاف من الطلبة، ليس لهم خيارات أخرى في مدارس أكثر أمنا، وبالتالي فهم مضطرون لتلقي العلم في تلك المدارس بصرف النظر عن واقعها المتردي.
لعل الأمر يتعدى أيضا مسألة البنية التحتية، نحو سوء الوضع القائم داخل الغرف الصفية خصوصا في فصل الشتاء الذي يتميز في معظم مناطق المملكة ببرودته الشديدة، في حين تخلو غالبية المدارس الحكومية من أي نوع من التدفئة، فالتدفئة المركزية غير متوفرة بحسب تقارير صحفية حديثة، أما التدفئة بواسطة الغاز والكاز فتتحاشاها إدارات المدارس نظرا لمخاطرها الكبيرة على الطلبة.
خبراء تحدثوا للإعلام مؤخرا حول أثر غياب التدفئة المناسبة على التحصيل العلمي، وبأن الطالب الذي يجلس متجمدا من البرد لا يمكنه أن يعير كامل انتباهه إلى ما يتم شرحه من دروس، ولا يمكن أن يتفاعل معه. وحيث نعلم بأن موسم البرد لدينا يستمر لأربعة أشهر على الأقل، فبإمكاننا تقدير الخسارة الفادحة التي يمنى بها طلبة عديدون في مدارس لم تؤمن لهم الحد الأدنى من الظروف اللازمة للتحصيل الأكاديمي.
هذا الأمر لابد أن يعيدنا إلى مسألة محورية تم التطرق إليها مرات عديدة، خلال السنوات الأربع الماضية، وهي قضية نقص الصفوف الدراسية والمدارس، وتوزيعها غير العادل في مناطق المملكة المختلفة.
ففي الوقت الذي يقول فيه المسؤولون إننا بحاجة إلى 600 مدرسة إضافية خلال السنوات العشر المقبلة، فإن هذا الرقم يبدو خادعا كثيرا لعدم تضمنه المدارس التي ينبغي الاستغناء عنها لرداءة حالتها. فهم مطمئنون إلى أن الدراسة منتظمة فيها، لذلك لا حاجة لأن يفعلوا أي شيء تجاهها، وهم بذلك ينطلقون من توفير الحدود الدنيا للعملية التعليمية صارفين النظر عن سلامة أبنائنا وعن توفير أجواء صحية لتلقيهم علومهم.
ثمة مقولة تتردد دائما تمتلك مدافعين عنها، كما تمتلك بالتأكيد معارضين لها، وهي أن المسؤولين ينظرون للأردن على أنه عمان، وبصرف النظر عن مدى أحقية الإيمان بمثل هذه العبارة، إلا أننا يمكننا التأكيد بأن ثمة مناطق عديدة من المملكة طواها النسيان، تقبع في محافظات بعيدة أو قرى منسية، لم يكلف المسؤول نفسه بالتعرف إلى احتياجاتها الحقيقية ولا إلى الظروف القاسية التي يختبرها الطلبة بشكل يومي في مدارسها. لكنه بالتأكيد معني بمدارس العاصمة والمدن الكبرى ويتخذها مثالا دائما على توفر المعايير اللازمة في المدارس الحكومية.
لكن، هل لنا أن نسأل سؤالا مهما: ما الذي تقود إليه مثل هذه السياسات اللا عادلة؟
إن ذلك سيؤدي بالضرورة إلى تعميق الفجوة في جودة التعليم بين طلبة المركز والمدارس الخاصة من جهة وبين طلبة الأطراف الذين لم تتوفر لهم سوى الحدود الدنيا من معايير ومتطلبات العملية التعليمية الضرورية، حتى أن البعض يجادل في أن هذا الحد الأدنى غير متوفر بالأصل.
لكن الأمر الأخطر من ذلك، هو توفر الظروف الموضوعية لتأصيل مفهوم الطبقية بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ما يمكن أن يؤدي إلى نشوء جيل غاضب وغير منتمٍ، وهو ما لا يمكن أن نكون سعيدين به أبداً.
اليوم، الحكومة بجميع أذرعها وخصوصا وزارة التربية والتعليم، مطالبة بأن تفعل شيئا في هذا الملف، إذ لا يمكن لنا أن نقبل بعد اليوم بأن يقضي أبناؤنا نصف يومهم في بيئة غير آمنة، تهدد سلامتهم، أو في بيئة غير صحية تهددهم بالمرض ولا تمنحهم تعليما كالذي يحصل عليه أقرانهم في المدن المدللة.