مذكرة إلى ترامب: إيران ليست كوريا الشمالية

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

جاريت بلانك - (مجلة بوليتيكو) 24/7/2018

يبدو تهديد الرئيس دونالد ترامب الصاخب عبر تويتر ضد إيران: -عواقب من نوع قلما عانى الناس مثله عبر التاريخ- وكأنه عمل قص ولصق من نهجه في التعامل مع كوريا الشمالية: قم بتطبيق العقوبات، قدم اقتراحاً غير مسؤول عن قدوم نهاية العالم، وسنرى ما سيحدث.

اضافة اعلان

يبدو الرئيس أشبه بمُشعل الحرائق الذي يقوم بإشعال حريقه الخاص. وقد أدت النتائج المفككة وغير المنهجية التي ظهرت حتى الآن في حالة كوريا الشمالية إلى تهدئة المخاوف التي كان الرئيس قد أثارها من الحرب الوشيكة، لكنها لم تحدد حتى مساراً لإيقاف، ناهيك عن إنهاء ترسانة بيونغ يانغ النووية في نهاية المطاف.

خذلت سياسة ترامب الكورية الشمالية مصالح الولايات المتحدة مُسبقاً بشكل كبير، إلى حد يبدو أن الرئيس نفسه يعترف به في الأحاديث الخاصة. وقد أعلن ترامب تحقيق النصر، لكن الكوريين الشماليين لم يتخذوا أي خطوات في اتجاه نزع سلاحهم النووي، ولا التزموا بالقيام بذلك. وكل ما يفعلونه هو تطبيق تجميد جزئي جداً لبعض من سلوكهم النووي الأكثر استفزازاً، مثل التجارب النووية والصاروخية. وهذه أخبار جيدة، لكنها تأتي بثمن باهظ: أصبح فرض العقوبات أضعف، وأوقفنا التمارين العسكرية ووترنا العلاقات مع حلفائنا، ونجا كيم جونغ أون من العزلة الدبلوماسية. وكان بالوسع استخدام وسائل الضغط التي لدينا بطريقة أفضل. لكن ترامب توقف عن التهديد بالحرب في شبه الجزيرة الكورية على الأقل -وهو ما قد يكون أفضل نتيجة ممكنة في الوقت الحالي.

لكن ترامب لن يتمكن من ممارسة هذه اللعبة نفسها مع إيران.

لن تكون هناك "صفقة كبيرة" بين واشنطن وطهران. ولا يقتصر الأمر على النظر إلى ترامب كشريك تفاوضي غير موثوق ولا يمكن الاعتماد عليه بسبب إلغائه المدوي للاتفاق النووي الإيراني، وإنما لأن صواريخ إيران الباليستية ووكلاءها الإقليميين يشكلون الأسس لسياسة أمن قومي متجذرة في دروس قاسية تم تعلمها من الحرب الإيرانية-العراقية. ولا يستطيع ترامب أن يحل هذه القضايا بما يُدعى "فن عقد الصفقة" ببساطة؛ وسوف يتطلب القيام بذلك حلولاً أمنية إقليمية لا يمكن تطبيقها بالنظر إلى التوترات الحالية.

وأيضاً، على الرغم مما قد يأمله ترامب، فإنها لن تكون هناك حتى نسخة "خليجية" من قمة سنغافورة: دراما مُعدة للعرض التلفزيوني، والتي تخفف لهجة العداء من دون معالجة المشاكل الكامنة. وثمة عقبتان تقفان في الطريق: ونحن واحدة منهما.

الأولى، إيران. فحتى لو عرض ترامب على إيران صفقة أفضل من خطة العمل الشاملة المشتركة التي تفاوض عليها الرئيس باراك أوباما -على سبيل المثال، المزيد من رفع العقوبات في مقابل تنازلات نووية سطحية إضافية- فإنه ليس من الواضح أن إيران ستكون قادرة على إدارة انقساماتها السياسة الداخلية والقبول بالصفقة الجديدة.

تبقى السياسة الإيرانية أكثر تعقيداً، وبالتأكيد أكثر وضوحاً من سياسة كوريا الشمالية. وقد اعتمدت الأنظمة في كل من طهران وبيونغ يانغ على العداء مع الولايات المتحدة من أجل الشرعية، لكن كيم يستطيع ببساطة أن يغير الدعاية التي يستخدمها نظامه من دون خوف من أن يبدو متناقضاً. وفي المقابل، ربما يحمل آية الله الخميني لقب "القائد الأعلى"، لكنه لا يشبه في أي شيء ذلك المستوى من السيطرة الاستبدادية. وسوف يُقابل أي جهد لتغيير علاقة إيران مع الولايات المتحدة بمعارضة شرسة وفعالة من مراكز القوى في النظام، التي تستفيد من صراعها المستمر مع "الشيطان الأكبر". وقد جعل ترامب من قبول صفقة مع الولايات المتحدة ومواجهة اتهامات بالاستسلام لشروطه العدوانية أكثر خطورة من الناحية السياسية فحسب.

ثانياً، أن السياسات الأميركية تبدو أقل تسامحاً مع إيران مما هي مع كوريا الشمالية. ويقال إن ترامب كذب بشأن ما حدث في سنغافورة، مع مواجهة القليل من العواقب السياسية. كان هناك زعمه الغريب بأن "كوريا الشمالية لم تعد تشكل تهديداً نووياً"، وتبجحه في 20 حزيران (يونيو) بأن كوريا الشمالية أعادت رُفات 200 جندي أميركي (الرقم الحقيقي في ذلك الحين -وكذلك اليوم- هو صفر). وقد عبر بعض الجمهوريين المنتخَبين عن انتقاداتهم له، لكنهم لم يصروا على عقد جلسات استماع، أو تقديم إحاطات سرية أو أي عمل حقيقي لتأكيد دور الكونغرس الرقابي.

من الصعب تخيل أن تكون لترامب –حتى ترامب- حرية مماثلة في العمل في الموضوع الإيراني. وبصراحة، ليست اليابان وكوريا الشمالية الشيء نفسه مثل إسرائيل والسعودية اللتين لديهما نفوذ حقيقي في واشنطن وفي داخل قاعدة ترامب السياسية. ولو حاول الرئيس المبالغة في موضوع التنازلات الإيرانية، فإنه سيُطالب بتفسير من دوائره المحلية والدولية التي تشكل جزءاً مهماً من دعمه.

ولكن، إذا لم يقدم لنا خطاب ترامب القاسي تجاه إيران طريقاً إلى الأمام، إما في اتجاه اتفاق أو خفض للتصعيد، فإلى أين يقودنا ترامب؟ إلى العزلة أو المواجهة.

إذا استطاعت أوروبا والمشاركون المتبقون الآخرون في خطة العمل الشاملة المشتركة العثور على طريقة للاستمرار في شراء النفط الإيراني وإجراء التحويلات المالية الإيرانية على الرغم من العقوبات الأميركية، فإن واشنطن ستفقد المزيد من النفوذ ووسائل الضغط، ببساطة. وإذا فشلت أوروبا والمشاركون الآخرون في الحفاظ على خطة عمل شاملة مشتركة رديفة، فإن إيران ستعود بشكل شبه مؤكد إلى استفزازاتها النووية.

في أي من الحالين، يأخذ ترامب مشكلة ويقوم بتحويلها إلى أزمة. وليست لدى إدارته بكل وضوح استراتيجية أكثر تساوقاً وإمكانية للتطبيق تجاه إيران مما لديها تجاه كوريا الشمالية. وهو ما يجعل النسخة الإيرانية من "النار والغضب" أكثر غرائبية وخطورة فحسب.

 

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Memo to Trump: Iran Isn’t North Korea 

[email protected]