"مراكز إفهام القرآن" ..اقتراح أمام الحكومة

الحكومة ليست جادة تماماً بدراسة الإرهاب وكيف ينمو وأين ينشأ. وليست معنية حقيقةً وبشكل علمي في استئصال منابعه، فهي كلما حدثت حادثة كبيرة، أو مواجهة عاصفة مع الإرهاب خرجت بجملة تصريحات نارية، وبيانات تهدد وتتوعد، ثم تعود لنومها الطويل حتى تستيقظ على صوت انفجار كبير آخر!اضافة اعلان
لكن لا أحد يفكر جدياً بمواجهة مصانع الإرهاب وأماكن تفريخه، ولا نيَّة فيما يبدو لهذه المواجهة. فحكوماتنا تفضل دائماً عقد الصفقات وتوزيع الأدوار وتبادل المصالح، وتروقها حالة الهدوء .. على كل الجبهات.
حتى لو كان هدوءاً مفخخاً ولا ينبئ بالخير.
ومواجهة الإرهاب ليست دائماً مواجهة رجال مسلحين بأحزمة ناسفة، أو بنادق اوتوماتيكية، ولكنها مواجهة أفكار ومعتقدات ومصانع لا تصنع المتفجرات، لكنها تصنع الأفكار وتنمّي التربة لولادة شباب يفكرون بطريقة خطأ، ويفهمون الدين على نحو خطير ومقلق.
المواجهة الحقيقية مع الإرهاب هي مواجهة فكرية وثقافية، وهو المجال الذي لم تقدم فيه الحكومات شيئاً يذكر، ولم نر من تصريحاتها أي شيء على الأرض، ولم تنفذ فكرة واحدة تجعلنا نشعر بأنها جادة في محاربة وتجفيف منابع الإرهاب.
الحكومة مدعوة، برأيي، لانشاء سلسلة كبيرة من المراكز على طول مدن وقرى المملكة، تتبع لوزارات ثلاث هي الأوقاف والتربية والثقافة، ويكون اسمها “مراكز إفهام القرآن”، وذلك في وجه “مراكز تحفيظ القرآن” التي تنتشر في كل شارع في البلد، وتتبع لجهات معروفة وغير معروفة، ولا تخضع لأي رقابة أو توجيه.الفكرة ليست منع قراءة القرآن الكريم، وتعلُّم الدين والتلاوة والتجويد، ولكن أن يكون ذلك تحت عنوان “إفهام” القرآن وليس تحفيظه، وفي ذلك فرق كبير ومهم وخطير، فالمطلوب من الأجيال الجديدة ان تفهم الدين لا أن تحفظه على طريقة الطالب الذي “يبصم” الدرس دون “قراءته” !
الإرهابيون الذين خرجوا من بيوتنا وعائلاتنا وكانوا أولادنا تعرضوا لتجارب قاسية، حين جرى اختطاف عقولهم وغسلها، ثم حشْوَها بدين آخر لا يشبه الإسلام، ولا خسارة يمكن أن يتعرض لها أب أو أم مثل خسارة الابن.
“مراكز إفهام القرآن”، لو أصبحت حقيقة على الأرض وانتشرت، بتخطيط واع ومدروس، وقام على التدريس فيها فقهاء وأكاديميون فهموا الدين جيداً واستطاعوا نقل تجاربهم وفهمهم لأبنائنا، وشرح الاسلام الحقيقي لهم، وانتشالهم من التضليل ومن الخرافات التي علقَت بالدين والسيرة النبوية الشريفة والتفاسير الكريمة للقرآن، .. لو تم ذلك فسنكسب أجيالاً من الشباب ذوي العقول النظيفة، المتنورة، الفاهمة، .. غير هذه المترددة، الخائفة، المتلجلجة اللسان!
وعلينا أن نفهم، ونعترف، أن الذي صنع الإرهابيين ودفعهم لهذه الحروب العنيفة والدموية، بحيث صاروا يفجرون انفسهم في بيوت أهلهم، هو ببساطة فهم خاطئ وتضليل متعمد، وتصويرٌ منحرف ومريض لفكرة “الجنة والنار”!