مرام مهيدات: اختراع اسمه العزيمة!

ندخل عامنا الجديد، وكثير منا يرحّل إحباطاته معه عاما وراء آخر، من دون أي نية للتغيير نحو الأفضل، إضافة إلى شعور متزايد بنقصان الأمل وسيطرة الخيبة على كل زوايا النفس والروح.اضافة اعلان
نلوم القدر والحظ العاثر، ونلعن كل الظروف المحيطة بنا، لأنها جعلتنا غير قادرين على أن نتقدم خطوة جديدة لا تشبه من سبقها. فنصبح سوداويين لا نرى النور الذي ينتظرنا في نهاية النفق!
ربما لا نحصن أنفسنا بأدوات عديدة نمتلكها لكي نحسن بها شروط حياتنا، ونصنع بها مستقبلا أفضل، بل نستمتع بجلد الذات ولوم النفس، ونقف عاجزين عن تغيير واقعنا على جميع صعد حياتنا وما يحيط بها.
في زمننا هذا، نفتقد الشعور بقيمة الأشياء التي نملكها. أو جماليات تمنحنا إياها حياة ندرك جيدا أنها تزداد تعقيدا يوما بعد يوم. لكنها تحتم علينا أن نقاومها بكل أسلحتنا، لا أن نسمح لها أن تسلب إرادتنا وأن تبعدنا عن طريق التفاؤل والأحلام.
لكننا حينما نقف عند قصة الفتاة العشرينية مرام مهيدات من لواء الوسطية، والتي حتم عليها القدر أن تفقد أطرافها العلوية منذ الصغر؛ فإننا نشعر أننا عاجزون عن إنجاز ما استطاعته مرام، وأن إنجازها، رغم جميع أوجاعها والصعوبات التي واجهتها، هو معجزة بلا شك، وهي التي عرفت بـ”ذات الأرجل الذهبية” لأنها لم تستسلم يوما أمام حياة صعبة، وأيضا لم تسمح للعثرات أن تقف في طريقها.
في التقرير الذي نشرته الزميلة علا عبداللطيف في ملحق “حياتنا” أمس تحت عنوان “مهيدات.. فقدان يديها لم يمنعها من أن تخط كتابها وتكمل دراستها العليا”، نطالع حكاية فتاة تسلحت بالإرادة والتصميم والأمل، ولم تستسلم لليأس والسلبية، لذلك لم تسمح لشيء أن يقف أمام طموحاتها، بل لجأت إلى تحدي هذه الإعاقة، والتغلب عليها.
تخرج مرام من بيتها كل صباح لتتوجه إلى عملها، فتنجزه على أكمل وجه، معتمدة على قدميها في إنجاز جميع ما يتطلبه عملها كموظفة استقبال في مركز البقاعي للرعاية والتأهيل الشامل في مدينة إربد، وكذلك في إعداد طعامها وشرابها، وفي كتابة ما يخطر في بالها، وفي باقي تفاصيل حياتها اليومية.
استطاعت أن تكمل المرحلة الثانوية بنجاح، ومن ثم دراستها الجامعية، لتنهيها هي الأخرى بنجاح، فيزيد الإصرار في نفسها، لذلك تتقدم لدراسة الماجستير، بعد أن سيطر الطموح على روحها.
لكن حياة مرام ليست كلها دراسة وعملا، بل هي تعيش الحياة بسعادة، وبجميع تفاصيلها، لذلك نراها تمارس الكثير من الهوايات مثل السباحة وركوب الخيل، والتأليف وكتابة الشعر، وكتابة المقالات باستخدام رجلها اليمنى. ومؤخرا انتهت من تأليف كتاب “ذات الأرجل الذهبية” الذي يتضمن تفاصيل حياتها منذ الولادة وحتى اليوم.
بالرغم من صعوبة الحياة التي تختبرها كل يوم، إلا أنها استخدمت كل الأدوات المتاحة لديها، لأن قدرها كان التحدي، وتميزها كان بالعزيمة لرسم طريق الإبداع، لا اليأس والاستسلام للإحباط.
لم تسمح مرام أن تقف الخسارات حجر عثرة في مسار حياتها، بل أصرت على أن هذه الطريق غير المعبدة، والمملوءة بالوجع والحسرة هي أول الإشارات نحو درب التميز والتفوق والنجاح لتحقيق الانتصارات مهما بدا هذا الأمر صعبا.
أمام طموح وأحلام هذه الفتاة وغيرها من ذوي الإعاقة الذين أبدعوا بمجالات عديدة، وغيروا بأنفسهم كما بمجتمعاتهم، وحولوا أوجاعهم إلى مناجم من الإبداع ومحطات نجاح، نتعلم دروسا عديدة؛ كيف باستطاعتنا أن نعاند الصعوبات والمعيقات، من خلال إيماننا بما نملك، وما يؤهلنا لأن نعيش حياة أفضل بعزيمة وثقة.
هؤلاء هم قدوتنا؛ فرغم كل أوجاعهم يمنحوننا الأمل، من خلال الإصرار على مواصلة هذه الحياة بدون أن ننتظر ما تخبئه لنا بل نفاجئها بما نخبئه نحن لها في رحلة عمرنا..
أن يعلو صوتنا لنقول: “نعم؛ نحن قادرون على مواصلة الحياة بكل ما فيها من فرح وحزن”.