مركز لإدارة الأزمة الاقتصادية.. لم لا!

الضبابية ما تزال تخيم على الملف الصحي في العالم، والأردن جزء منه رغم الوضع الوبائي المستقر في المملكة. هذا يعني أن آفاق النمو الاقتصادي ستواصل الاصطدام بالعديد من التحديات التي من المرجح أن تزداد حدتها لاحقا جراء البطء الشديد في التعافي.اضافة اعلان
التجربة كانت قاسية، وتجاوزها في بلد بحجم الأردن وقدراته الاقتصادية لم يكن سهلا، خصوصا أن الحكومة أطرت نفسها في هدف واحد يتمثل في الحفاظ على الوضع الحالي، على أقل تقدير، مع الإشارة لخطط تعتزم تنفيذها، لكن تلك الخطط تبقى من دون أي ضمانة حقيقية على إمكانية التنفيذ.
كل ما تفكر به الدولة وتقوم به في المرحلة الحالية هو تجنب الآثار السلبية للتحديات التي تصادفنا، ومحاولة تجاوز المطبات، وتجنب الانتكاسات الاقتصادية، سواء تلك التي حدثت، أو تلك التي من المتوقع حدوثها على امتداد أزمة انتشار جائحة كورونا، والتي يحذر الخبراء من أنها قد تمتد إلى مديات غير معلومة.
الدولة بجميع أجهزتها، تعمل بهدف الخروج بأقل الخسائر من هذه الأزمة الطاحنة، ومعلوم أن الآثار السلبية ما تزال تتصاعد، فيما التحديات تزداد وتتنوع يوما بعد يوم.
الانغماس في هذه الحالة يعني أن البلد لن يكون قادرا على التفرغ لأي خطط جديدة تحاكي الرغبة في النهوض بمختلف القطاعات، وتحديدا في تلك التي لا بد وأن تشهد عملا سريعا ومنظما ومدروسا، والحديث هنا عن القطاعات السياحية والصناعية الصحية والطبية والزراعية.
الحكومة عاجزة على التفكير خارج صندوق الأزمة التي تمر بها، وهذه مسألة خطيرة، فعجز الموازنة غير مسبوق، ونسب البطالة لا تتوقف عن الارتفاع، وهناك أسر هبطت إلى الشرائح الفقيرة على وقع الأزمة، حتى أن التركيبة الاجتماعية نفسها تعاني من تصدعات في بعض جوانبها.
في العام 2015 بدأ العمل في المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات، هذا المركز الذي يتمثل دوره بتنسيق وتوحيد جهود جميع المؤسسات الوطنية ذات العلاقة لتمكينها من مواجهة الأزمات الوطنية بأشكالها المختلفة والمحتملة بأقل وقت وجهد، وبأقل تكلفة وخسائر ممكنة. هذا المركز برز بصورة لافتة في أزمة فيروس كورونا، وحقق الأهداف المرجوة من إقامته، بتشاركية واسعة من مختلف مؤسسات الدولة.
لماذا لا يكون لدينا مركز جديد مواز له، لكن بهوية اقتصادية بحتة، يهدف إلى وضع الخطط وإدارتها، والإشراف على تنفيذها، ويضم في ثناياه خلية تتكون من مؤسسات الدولة، وخبراء في القطاعات المستهدفة، وأكاديميين، ونقابيين، وعددا من العاملين في الميدان، وقد يحتاج الأمر إلى خبراء من الخارج، لا ضير في ما سيدفع لهم من أموال ما دامت المسألة مرتبطة في المساعدة الفعلية على التطور. لم لا يضم أيضا شبابا رياديين في مختلف القطاعات؟.
الحكومة تلاحق توجيهات جلالة الملك، وفشلت إلى حد بعيد في مسايرتها، لأسباب عديدة لعل أبرزها أنها في الملف الاقتصادي كانت وما تزال حكومة مشتتة، غير قادرة على إيجاد حلول ناجعة، لذلك لم تتمكن من تنفيذ المطلوب منها بصورة مقنعة.
الحكومة تعتمد على الطرق التقليدية والكلاسيكية في اختيار من يشارك في قيادة الدفة، وخيارات رئيس الوزراء د. عمر الرزاز، بشهادة العديدين، لم تكن موفقة دائما، بل إن بعض من أتى بهم شكلوا عقبة نحو التقدم، لذلك لا بد من الاستفادة من تجربة أزمة كورونا التي أجبرت الدولة على الاستعانة بمختصين في الوضع الوبائي ممن يعملون في الميدان وليسوا من الجالسين وراء مكاتب يعيشون وهم المنصب والسلطة. هؤلاء أشخاص لم نكن نسمع عنهم قبل انتشار الفيروس، لكنهم ساهموا بكل نجاح وقوة في إدارة الأزمة، وكانوا على مستوى المسؤولية.
نحتاج مركز إدارة أزمات جديدا تحت أي مسمى، على أن توفر له كل إمكانيات وأدوات النجاح، مع صلاحيات واسعة لا تتضارب مع تلك الممنوحة للحكومة، إلى جانب العناية الفائقة باختيار الفريق العامل فيه. قد تمثل مثل هذه الخطوة قفزة لافتة في مجال التخطيط الاستراتيجي والمستقبلي.