مسألة عزل ترامب: الوَعد والمخاطر

Untitled-1
Untitled-1
تقرير خاص – (الإيكونوميست) 2019/9/26 ترجمة: علاء الدين أبو زينة في الولايات المتحدة، تحركت نانسي بيلوسي ضد الرئيس دونالد ترامب. لكن هذا ليس هو الوقت المناسب للابتهاج. لم يكن لدى أميركا رئيس، تقريباً. وقد جلب الرجال الذين وصلوا إلى المؤتمر الدستوري في العام 1787 معهم رُعب من الملكية. وفي غياب شخصية بقامة ومكانة جورج واشنطن، ربما كان البلد الشاب ليتبنى نظاماً برلمانياً للحكم. ومع ذلك، كان على المؤسسين، بعد أن أنشؤوا المنصب، أن يبتكروا طريقة لإقالة الرؤساء الذين يسيئون استخدام مناصبهم -فليس كل الناس جورج واشنطن. وقد حددوا الآلية: إجراء تصويت على توجيه الاتهام بقصد العزل في مجلس النواب، تليه محاكمة تُعقَد في مجلس الشيوخ. أما مسألة ما يجب أن يُحاسب عليه الرئيس بالضبط -"الخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجرائم الكبرى والجنح والمخالفات"– فقد تُرك تحديدها، عمداً، للكونغرس. بذلك، وعلى الرغم من أن العزل حكم دستوري، فإنه يشكل أيضاً حملة سياسية. وقد بدأت هذه الحملة بجدية في الأسبوع الماضي، عندما وجَّهت نانسي بيلوسي زملاءها الديمقراطيين في مجلس النواب إلى الشروع في عقد جلسات استماع خاصة بعزل الرئيس دونالد ترامب. ولن يؤدي هذا الإجراء بالضرورة إلى عزله. ومع ذلك، صنعت جلسات الاستماع الخاصة بالعزل في الماضي زخماً خاصاً بها. وتبقى العملية محفوفة بالمخاطر على كلا الجانبين. لكن ثمة شيئاً واحداً مؤكداً: أن العملية ستزيد من تقسيم بلد يقف مسبقاً في مواجهة نفسه. اتخذت السيدة بيلوسي هذه الخطوة بالغة الأهمية لأنها تعتقد أن سلوك الرئيس تجاه الحكومة الأوكرانية تجاوز أحد الخطوط. وإذا كان هذا يبدو سبباً غامضاً للتفكير في خلع الرئيس، فلنتذكر أن أصول إجراءات الإقالة ضد ريتشارد نيكسون كانت ترجع إلى عملية سطو على مكتب، وأن الإجراءات المماثلة ضد بيل كلينتون بدأت بعلاقة له مع متدربة. ويبدو أن السيد ترامب قد أخبر حكومة أوكرانيا بأن العلاقات مع أميركا، بما في ذلك منح المساعدات، تعتمد على قيام الحكومة الأوكرانية بإجراء تحقيق حول عائلة منافس سياسي للرئيس –وسيكون هذا أكثر خطورة من اقتحام مكتب أو انغماس في الملذات. إنه يعني أن الرئيس قد أفسد المصلحة الوطنية من أجل ثأر سياسي. كثيراً ما تقدم الحكومة الفيدرالية للقوى الأجنبية وعوداً بتقديم المساعدة مقابل القيام بشيء تريده أميركا منهم. لكن حالة أوكرانيا مختلفة. فلأميركا مصلحة في ضمان قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها ضد العدوان الروسي، وهذا هو السبب في أن الكونغرس قدم حزمة بقيمة 391 مليون دولار كمساعدات عسكرية لحكومتها المنتخبة حديثاً. وقد تصرف السيد ترامب ضد المصلحة الوطنية بتعليق تلك المساعدات، بينما يضغط على فولوديمير زيلينسكي، رئيس أوكرانيا، لإجراء تحقيق حول هنتر بايدن، الذي كانت لده تعاملات تجارية في أوكرانيا، وهو ابن المرشح الديمقراطي البارز جو بايدن. وكما لو أن هذا التصرف من الرئيس لم يكن واضحاً بما يكفي، قام السيد ترامب بإيفاد محاميه الشخصي لمقابلة أحد مستشاري زيلينسكي وتكرار الرسالة على مسامعه. في بلد بفساد وضعف أوكرانيا، فإن الصلة بين الدعم الأميركي والتحقيق في شؤون عائلة بايدن -أنت تمنحنا الأوساخ على جو، ونحن سنعطيك الأسلحة والمال- لا تحتاج إلى أن تكون واضحة حتى تكون مفهومة. وقال السيد زيلينسكي للسيد ترامب في مكالمة يوم 25 تموز (يوليو): "أريد أيضاً أن أؤكد لكم أننا سنكون جادين بشأن القضية، وسوف نعمل على إجراء التحقيق". ربما يعتقد المرء بداية بأن التحقيق الذي أجراه مويلر في تعاملات حملة الرئيس مع روسيا كانت لتجعل السيد ترامب حذراً إزاء العبث مع الحكومات الأجنبية. ولكن، يبدو أنه لم يفعل. ويشبه سلوكه إلى حد كبير تقديم الرشوة أو الابتزاز. ويُعتبر استخدام أموال دافعي الضرائب وقوة الدولة الأميركية لملاحقة عدو سياسي إساءة استخدام للسلطة. أراد مؤسسو مبدأ العزل له أن يكون خياراً عملياً، وليس مجرد خيار نظري. وإلا فإن الرئيس سيكون فوق القانون، سلطاناً جالساً على العرش لأربع أو ثماني سنوات. ومن شأن الإحجام عن إقالة السيد ترامب أن يشكل سابقة لرؤساء المستقبل: أي شيء يصل إلى –ويتضمن- ما فعله الرئيس الخامس والأربعون حتى الآن سيكون عادلاً. ويجب على أعضاء الحزب الجمهوري أن يفكروا في أي أعماق يمكن لرئيس ديمقراطي مستقبلي أن يذهب إليها. كما أن من شأن ذلك أيضاً أن يؤشر لحلفاء أميركا وأعدائها على أن التطفل على الأميركيين النافذين -أو الذين قد يصبحون كذلك- كان وسيلة رائعة لإسداء المعروف لرئيس ونيل دعمه ورضاه. ولن تكون هناك حاجة حتى إلى أن تكون "الأوساخ" حقيقية. روسيا والصين، هل تسمعان؟ هذه هي مخاطر التهرب من تفعيل إجراءات العزل. ومع ذلك، فإن المخاطر على الجانب الآخر –جانب المضي قدماً بالإجراءات- كبيرة أيضاً. فالناخبون يتوقعون أن يكون العزل بمثابة الملاذ الأخير، وليس حيلة يستخدمها أحد الحزبين لإقالة رئيس من الحزب الآخر؛ أو وسيلة يستخدمها الخاسرون في انتخابات لكي يجهضوا نتائجها. كما يخاطر ديموقراطيو مجلس النواب بأن يظهروا وكأنهم منغمسون في خدمة الذات؛ إذ بدلاً المضي قدماً في إصلاح البنية التحتية أو الرعاية الصحية، فإنهم يستسلمون لهوس البحث عن التفاصيل الدقيقة للاتصالات الداخلية في البيت الأبيض. وقد تخرُج جلسات الاستماع عن السيطرة وتجعل السياسيين الديمقراطيين يبدون غير فعالين ومهوَّسين، كما فعلت الشهادة المليئة بالمماطلة لمساعد ترامب السابق، كوري ليفاندوفسكي، في الأسبوع قبل الماضي. وقد تكون جلسات الاستماع مربكة للغاية ومليئة بالأحقاد بحيث لا يتابعها الجمهور. وحتى لو قرر مجلس النواب إقالة السيد ترامب، فمن غير المرجح أن يدان بأغلبية الثلثين المطلوبة في مجلس الشيوخ، حيث يشغل الجمهوريون 53 من أصل 100 مقعد. ومن الناحية القانونية، لا تؤثر معاملات السيد بايدن الابن المبتذلة في أوكرانيا على ما إذا كان ترامب قد أساء استغلال منصبه. ومع ذلك، فإن الأمرين يظلان مرتبطين من الناحية السياسية، لأنهما يمنحان أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين فرصة للدفاع عن ترامب بمجموعة من نقاط الحديث السهلة. قد لا تشكل محاولة عزل فاشلة تترك السيد ترامب في منصبه رادعاً لهذا الرئيس أو لرئيس مستقبلي. بل إنها قد تقدم مساعدة لترامب، في واقع الأمر، الذي يمكن أن يزعم أنه وُجد بريئاً بعد عملية صيد ساحرات حزبية حاولها الديمقراطيون الخاسرون. وحتى الأسبوع الماضي، كانت هذه هي حسابات السيدة بيلوسي وديمقراطيي مجلس النواب من المناطق التنافسية. وليس من الواضح أن الرأي العام قد تحول بعد بما فيه الكفاية لتغيير المعادلة. وعلى الرغم من أن ذلك قد يكون تبجحاً، فقد أصر فريق حملة السيد ترامب دائماً على أنه كلما زاد عدد الديمقراطيين الذين يتحدثون عن الإقالة، كلما كان ذلك أفضل لفرص الرئيس في إعادة انتخابه في العام 2020. رمي حجر النرد في مواجهة مثل هذا الاختيار الشاق، ظلت السيدة بيلوسي محجمة عن العمل حتى الآن. ولكن، يبدو أن السيد ترامب أصبح أكثر صلافة مع اقتراب إعادة الانتخاب. وينبغي أن يخضع سلوك الرئيس للتحقيق، مع السلطات الإضافية تمنحها عملية إجراءات العزل. وسيكون من الأفضل، إذن، أن يذهب الميل نحو المبدأ أكثر من البراغماتية. لكنه طريق ينطوي على المغامرة، وتحف به المخاطر. ■ *نشر هذ التقرير تحت عنوان: The promise and the perils of impeachmentاضافة اعلان