مسؤولية الثورة الإيرانية عن اختفاء الإمام الصدر؟

يعتبر اختفاء الإمام موسى الصدر، المولود في قُم بإيران العام 1928، من أصول لبنانية، من أهم الألغاز السياسية الغامضة في المنطقة العربية في القرن العشرين. ويحتاج دور الصدر السياسي لمراجعة ودراسة وفهم، باعتباره أسهم في مأسسة الطائفة الشيعية في لبنان، الذي انتقل إليه في الخمسينيات، حيث أسس ما عرف باسم "حركة المحرومين" التي تحولت إلى حركة "أمل"، لتكون تأطيراً للطائفة الشيعية هناك. لكن الآن هناك مصدر يربط بين الثورة الإيرانية، وأن أحد قادتها، على الأقل، هو سبب اختفاء الصدر، وذلك لسبب فكري مهم، يزيد من أهمية دراسة الإمام وحياته وفكره. اضافة اعلان
لطالما كان اختفاء الصدر العام 1978 سبب خلاف بين الشيعة اللبنانيين والعقيد معمر القذافي، حاكم ليبيا السابق. ومن هنا كان ابتهاج حزب الله المعلن بسقوط القذافي، من دون أي اعتبار مثلا لأنّه يدعي الممانعة شأنه شأن نظام عائلة الأسد في سورية، الذي يدعمه الحزب. فالإمام اختفى أثناء زيارة إلى ليبيا ولم تظهر آثاره لاحقاً، وبالتالي تم تحميل العقيد المسؤولية.
بحسب كتاب كاي بيرد، وعنوانه "الجاسوس الجيد: حياة وممات روبرت آميس" (The Good Spy)، الصادر العام 2014، فإنّ الصدر بقدر ما كان يدعو للتعبئة وامتلاك القوة، بقدر ما كان منفتحاً على كل الطوائف المسيحية والمسلمة، والأهم أنه كان ضد تولي رجال الدين (الفقهاء مثلا) منصبا سياسيا رسميا. وبعد أسبوعين من اختفائه نهاية آب (أغسطس) أرسل الإمام الخميني، الذي كان ما يزال في المنفى وليس في إيران، رسالة إلى القائد الفلسطيني ياسر عرفات، يطلب فيها المساعدة في معرفة مصير الصدر. وكانت نتيجة تحقيقات الفلسطينيين، التي أعطى مسؤول الأمن في "فتح" حسن سلامة، نسخة منها لصديقه ضابط الاستخبارات الأميركية روبرت آميس، أنّ القذافي حاول جمع الصدر مع عالم شيعي آخر هو الإيراني محمد بهشتي، الذي كان يقيم في ألمانيا، ويدافع عن فكرة الدولة الشيعية الدينية، ويختلف مع فكرة الصدر بتقييد دور رجل الدين في الحكم. بكلمات أخرى، كان بهشتي مؤيدا لفكرة "دولة الفقيه" بينما يعارضها الصدر، كما تعارضها مرجعيات شيعية أخرى بارزة. وكان القذافي يريد منهما طي صفحة الخلافات والالتقاء والتحالف معاً، باعتبارهما يحملان فكرا ثورياً.
يبدو أن هدف الصدر الأساسي كان لقاء القذافي، ولكن اللقاء لم يتم، خصوصاً أن بهشتي لم يحضر. وبعد أن فرغ صبره، اتجه الإمام إلى المطار قاصدا روما، حينما اتصل بهشتي مع العقيد، طالبا احتجاز الصدر بأي طريقة مؤكدا أنّه عميل غربي. أعطى معمر القذافي تعليمات لمساعديه بإقناع الإمام بالعودة لغرفته في الفندق، ولكن الذين ذهبوا لتنفيذ المهمة، تحدثوا مع الصدر من دون احترام، ما أدى لنشوب جدل، انتهى باصطحاب الإمام رغما عنه وإلقائه في سيارة، وبالتالي خرج الأمر عن السيطرة، ووضع الصدر في السجن.
بعد عدة أشهر، طلب عرفات من القذافي إطلاق الصدر. وطلب العقيد أن يجري اتصالا هاتفيا قبل أن يجيب. بحلول ذلك الوقت كان بهشتي قد عاد مع الخميني إلى إيران، وكانت ثورتهما قد انتصرت، وكانا يكتبان دستور دولة ولاية الفقيه. وعبر الهاتف أجاب بهشتي أنّ الصدر يشكل خطرا على الخميني. وبعد حين، وليتخلص القذافي من حرج الموقف، قام بإعدام الصدر ومرافقيه.
وقد قتل بهشتي العام 1981 بانفجار سيارة مع حوالي ستين شخصا، في عملية نفذتها جهة مجهولة في المعارضة الإيرانية.
بحسب هذه القصة التي تحتاج إلى تمحيص، يكون الصدر قد ذهب ضحية مدرسة تدافع عن تولية عالم الدين لمنصب القيادة السياسية، وتكون قصته جزءا من سيرة العلاقة بين السياسة والدين، وصراع الأيديولوجيات.
ثم تشير قصته إلى كيفية توظيف الرمز الديني لإثارة العواطف وتعبئتها لدى العموم، حتى لو كان من يثيرها يعرف أنه يقدم مغالطات، أو أنصاف حقائق.
ويكون جزءا مهما من فكر الإمام الصدر (ورغم دوره السياسي)، أنه لا يؤيد فكرة ولاية الفقيه، وتسييس الدين، أو تولية رجل الدين، لأنه ذو مكانة دينية.