مستشفيات وأطباء وفقراء

استغربت ما حدث الأسبوع الماضي لصديق لي بحاجة الى عملية زراعة كبد، حين أعلمه الطبيب أن كلفة العملية ستتجاوز 71 ألف دينار، وأن كلف العلاج الشهرية لفترة ما بعد العملية والتي قد تستمر على مدى حياة المريض تصل الى 1000 دينار شهريا في بلد لايتجاوز دخل 80 % من العاملين فيه 200 دينار شهريا. أي أن صديقي بحاجة لأن يعمل 30 سنة، ودون أن يستهلك شيئا من دخله، لكي يدفع أجرة العملية فقط، واذا أضفنا 1000 دينار شهريا فإنه بحاجه الى أن يعمل 5 أضعاف السنوات هذه، أي بعد أن يموت بـ 30 عاما (عمره 41 سنة ومتوسط العمر للذكور في الأردن 71 سنة).

اضافة اعلان

وقد يقول البعض إنه كان بإمكان هذا الشخص الحصول على تأمين طبي وبالتالي عدم تحمل هذه التكاليف التي تفوق دخله طوال العمر؛ لذا قمت بالحصول على عروض تأمين طبي من خمس شركات عاملة في الأردن، ووجدت أنها لا تغطي عمليات زراعة الكبد كما أنها لاتغطي أمراض القلب والسرطان. وكأنها (وهي التي عودتنا التذمر من التأمين الإلزامي على المركبات وضغطت على الحكومة عدة مرات لرفع هذه الرسوم لتصل أرباحها الى 17 مليون دينار في 2008) متفقة فيما بينها بتقديم ذات العروض ومتفقة أيضا على أن لا تتعامل مع الأمراض القاتلة في الأردن. وعلى الرغم من وجود 28 شركة تأمين وهيئة لتنظيم التأمين في الأردن منذ منتصف التسعينيات فإن عروض التأمين الصحي تبدو متشابهة من حيث الخدمات التي قد لا تتعدى الجروح والكسور والأمراض العارضة كالزكام مثلا.

دعاني البحث أيضا الى التساؤل عما اذا كان في الإمكان معالجة هذه الحالة في واحد من المستشفيات العامة (31 مستشفى، 750 مركزا صحيا) التي تقدم خدماتها بشكل شبه مجاني لـ 6 ملايين مواطن وتستقبل 15 مليون زيارة سنويا ويحدث فيها 100 حادثة اعتداء على طبيب لكل 15 ألف حالة صحية أو 100 ألف اعتداء سنويا. ولكنني فوجئت أن المستشفيات العامة ترفض أن تتعامل مع هذه الحالة المرضية، لا لعدم قدرتها على تغطية نفقات العملية بل لأنها لا تستطيع توفير العلاج على مدى سنوات طويلة حتى في حالة نجاح العملية (تبلغ نسبة النجاح 85 % حسب بعض الأطباء). فإضراب موردي الأدوية لوزارة الصحة قبل عام وامتناعهم عن تزويدها بالأدوية لأنها تخلفت عن الدفع ثلاثة أعوام تقريبا أمر تم نشره في الجرائد.

أيضا اكتشفت أن الطبيب في المستشفيات والمراكز الصحية العامة يعاين ويشخص ويكتب العلاج لـ 35 مريضا كل ساعتين، أي أن لديه أقل من 3.5 دقيقة لمعاينة وتشخيص كل مريض يقابله، ما يعني أيضا أن الطبيب العام يرى كل يوم إذا عمل 6 ساعات 105 مرضى في اليوم. طبعا اذا قام هذا الطبيب بأخذ استراحة ولو لنصف ساعة خلال النهار فإن عدد الدقائق التي يقضيها مع كل مريض سينخفض الى 3 دقائق في المتوسط، الأمر الذي يدعو الى التساؤل عن مستوى الرعاية الصحية العامة المقدمة في الأردن. هل يموت الفقير في بلدي إذا مرض؟ اسمحوا لي أن أدعي أن الفقراء يعيشون سنوات أقل من الأثرياء في الأردن، وان أي بحث بدائي سيبين أن نسبة الوفيات بين الفقراء أعلى منها بين الأغنياء، والحكومة بحاجة إلى أن تجد الحل، حتى في زمن تضخم عجز الموازنة، فكلنا أولاد تسعة.

[email protected]