مسرحية "شمس" تعالج بحرفية فنية عالية آثار "جريمة الشرف"

جانب من العرض المسرحي "شمس" - (من المصدر)
جانب من العرض المسرحي "شمس" - (من المصدر)

سوسن مكحل

عمان- تبدو القصة للوهلة الأولى طبيعية؛ وجود ابن ينبش ذكريات والدته المتوفاة ويقلبها بحثا عن الحقيقة؛ ذلك ما جاء بالعرض المسرحي "شمس" الذي قدم على خشبة مسرح البلد الخميس الماضي وأول من أمس.اضافة اعلان
"شمس" من إخراج وائل قدور ونص سعاد نوفل التي تجرأت للحديث عن مضمون جريمة الشرف بدون الاتكال على القتل كما يحدث بنصوص أخرى تطرقت للموضوع ذاته.
الحكاية تتلخص كما أراد المخرج لها أن تكون على سجيتها بإضافة لمسات جميلة طوعها لمحاكاة الصورة والانسجام بتلك اللوحات التي تخللها حديث كل شخص عن دوره بتلك العائلة الصغيرة.
نبش للذكريات هو المحاولة التي يحاول فيها الابن العائد من الغربة معرفة سبب انتحار والدته فيرجع للوراء بالنظر لأرشيف الصور وسرد قصته، ليفتح الستار الذي وظفه المخرج توظيفا ذكيا ويتناوب شخوصها الثلاثة على سرد أجزاء متقطعة ومتداخلة من ذاكرتهم.
وتستمر الحكاية في الصعود حتى تصل الذروة وهي معرفة سبب الانتحار، الجميع يضع اللوم على الزوج الذي يتعنت ببراءته ويدعي جنون زوجته حتى أمام ابنه.
تقول الزوجة كأنها تحدث روحها "لقد أخبرتك أني أريد الطلاق، كنت تريدني أن أجهض الولد، أنا احتفظت به، أريد الطلاق"، يرد الزوج "احنا من عيلة ما بنطلق اذا كان هناك سبب فما بالك بس ما يكون في سبب ما حطلق".
يبدو الأمر أن الزوجة ستتطلق لغاية اللحظة بسبب رفض زوجها تطليقها، الا أن الحبكة المسرحية ذهبت نحو الأفق الأوسع، لنكشف أن هناك قصة استمرت لأكثر من 26 عاما لتقرر الزوجة الانتحار.
العار الذي كلف الأنثى حياتها لتكون زوجة تعيسة، حين اغتصبها زوجها أثناء علاقتهما وهي بسن قاصرة فحملت ولم يكن لدى الفتاة خيار عندما أخبرت أهلها سوى تزويجها لهذا الشاب الذي غدا "زوجها".
خمس سنوات ويحدث الطلاق وهذا ما أرادته الزوجة ولم يحدث ككل الأشياء التي أرداتها وانتهت حياتها ولم تعبر عنها بعد، فرفض الزوج الطلاق، استمرت معاناة الزوجة بطلب الطلاق حتى النهاية التي اختارتها لها بالانتحار.
بالتأكيد خمس سنوات يقصد بها التعبير عن القانون المتبع في بعض الدول العربية وهو تزويج الفتاة الى مغتصبها بعقد مدته خمس سنوات لتلغى عنه عقوبة السجن، وله حرية تطليقها بعد هذه المدة!.
بدأت بالتعلم والقراءة ومحاولة إقناع الزوج بتطليقها، واستطاعت تربية ابنها حتى صار شابا فجأة، الا أنها بدأت تشعر بالوحدة والمعاناة بعد سفره لاستكمال دراسته بالخارج.
يوم وشهر وعام وعقود طويلة، كانت كفيلة بأن تجعل الزوجة "الأنثى" المقموعة تنهي الأمر الذي حملها المجتمع والزوج آثاره التي لم تندمل، إضافة الى غياب ابنها عنها وكأنه دافعها للبقاء.
تنتهي المسرحية وكأننا نريد لتلك الأم "الزوجة" والأنثى أن تعود فلماذا هكذا فرّت مسرعة بعد 26 عاما بدون أن تقول لهذا المجتمع كم هو "ظالم".
ساعد وصول الحقيقة للابن أن يقع بحب "شمس" الفتاة المطلقة التي تشاركه مشاكلها والتقاها في العيادة النفسية التي سبق لوالدته "المتوفاة" أن تعالجت فيها، ليصرّ على الزواج بها، خصوصا بعد معرفته بحقيقة والدته التي انتحرت وهي تطلب الطلاق من أبيه نتيجة ظروف مرّت بها.
السينوغرافيا الذي جاء به قدور جعل المكان يبدو كأنه نسيج حقيقي لأبعاد الصورة بتلك القصة، كأننا ننبش بداخلنا وأمام أعيننا تلك الصور ونتجسس عن سبب الانتحار.
وأبدع حين استخدم ذلك الستار "البلاستيكي" ليخفي خلفه الحكاية ويغلفها ربما لتظل قابعة بالذاكرة لا غير، انفتاحها بين وقت وآخر ما هو إلا إصرار على كشف الحقيقة من قبل الابن.
النص يتسع على تأويلات كثيرة لربما شعرنا أنها أحيانا فاضت على الحاجة، هناك قضية المرأة المطلقة، قضية جريمة الشرف، قضية العار بالتردد على طبيب نفسي، سطوة الرجل، نظرة المجتمع.
إلا أن المسرحية بشكل أو بآخر استطاعت أن تجعل المشاهد شريكا حيويا في تلك الجريمة حين جعلته يتعاطف بداية مع "الزوج" وأن الزوج لا سبب حقيقيا لديه للطلاق، وكأنها أرادت أن تقول لنا لا تحكموا على ظاهر الأشياء، إضافة الى جملة الشرف المهمة التي أرادت توضيحها.
فضلت نوفل في حبكتها بالنص المسرحي أن تذهب بعيدا عن القتل وهو ما يحسب لها لأن الأخير استوفى حقه بالمسرحيات المتعلقة بجرائم الشرف؛ وقررت جعل القاتل "الاكتئاب" وما يتخلله من الكبت النفسي ونظرة المجتمع والسجن الذاتي وإهانة وسطوة الرجل.
يوجد أمل الحبيبة "شمس" هي القادرة على تحويل مسار حياة الابن بالعمل المسرحي، فكم شمسا نحتاج لنرى حقيقتها وأننا مجرمون في حق تلك المرأة أو "الأنثى" كما أرادت أن تقول نوفل بنصها وما أراده قدور أن يصل في حث المجتمع لرفع الستار عن هذه الحقائق.
عمل تنويري اجتماعي يعالج قضية، يجب أن يأخذ حقه في عروض تسعى لإثبات سطوة الذكورة المجتمعية وهضم حقوق المرأة سبيل لتدمير الأسر وقتل الأنفس بغير حق وهم على قيد الحياة.
تبعث المسرحية في المشاهد ألما لما وصل اليه الحال، وربما لما يسمع ويرى ويشاهد هنا وهناك أمام الأعين من قتل تحت اسم الشرف، بالوقت الذي يحثك فيه العمل المسرحي "شمس" لتحاسب كل فاعل في محاسبة جنس دون آخر.
المسرحية من أداء؛ مجد حجاوي، محمد عبدالكريم وهمّام المصري. سينوغرافيا؛ محمد رجائي القوجة.
العرض المسرحي هو جزء من مشروع فني جمع كلاً من الكاتبة سعاد نوفل والمخرج والكاتب وائل قدور وعدداً من الفنانين المستقلين، ليعالجوا في مختبرهم المسرحي مفهوم الوصمة المجتمعية بالتعاون مع حملة "لا شرف في الجريمة".
ويشار إلى أن وائل قدور كاتب ومخرج حاصل على إجازة في الدراسات المسرحية من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق العام 2005.
أما سعاد نوفل فهي كاتبة، متخصصة في الاتصال والإدارة الثقافية شغفها في الكتابة كان يعيدها دائماً إلى الهدف الأول. لديها العديد من النصوص المنشورة في مختلف الدوريات والمطبوعات. تم اختيار النص "نازحة 1976" للمشاركة في تقديمه في بينالي الفنانين الشباب الأورومتوسطي في العام 2009 في مدينة سكوبيه، مقدونيا. وفي العام 2008 في مدينة باري، جنوبي إيطاليا. بالإضافة لاشتغالها بالكتابة في الصحافة الثقافية. "شمس" هو النص المسرحي الأول الذي تفرغت نوفل لكتابته وإنتاجه مطلع العام 2013.