مشاركة الطفل والده بالأنشطة والمناسبات تزرع بداخله قيما اجتماعية مهمة

Untitled-1
Untitled-1

منى أبوحمور

عمان- يحرص الأربعيني ماهر مرعي منذ أن أصبح عمر ابنه ثلاثة أعوام، على قضاء الوقت معه وأخذه إلى بعض الأماكن التي يذهب إليها، ليشاركه لحظات تؤثر عليه إيجابيا بالمسقبل.اضافة اعلان
اهتمام ماهر بمرافقة ابنه بمشاويره الخاصة وفي عطله، جاء بعد شعوره بالأثر الإيجابي الكبير حينما كان يرافق والده أثناء صغره.
ويقول مرعي "تعلمت العادات والتقاليد وكيفية مخاطبة الكبار والأكل في المناسبات بفضل والدي"، متابعا أنه وإخوته نشؤوا على احترام الكبير وآداب الحديث وصلة الأرحام.
ويوافقه الرأي الثلاثيني حاتم مهنا الذي يصف الأب بـ"المدرسة" ولولا الدورس التي استفادها وإخوته من مجالسته ومرافقته لما أصبحوا "رجالا يفتخر بهم".
ويرى حاتم أن عصر التكنولوجيا وانشغال الأجيال الجديدة بأمور مختلفة كالهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية التي لم تكن موجودة وهم صغار يجعلان التحدي أمام الآباء أكبر في الوقت الحالي.
ومن أكثر اللحظات التي لا ينساها حاتم من مخيلته مرافقة والده إلى أحد بيوت العزاء التي ما تزال عالقة في ذهنه، تعلم حينها الصبر عند البلاء والوقوف إلى جانب المكلوم وغيرها من المواقف والمناسبات التي حرص والده على مرافقته بها.
وكانت الدراسة التي نشرتها صحيفة "تلغراف" البريطانية حديثا قد اتفقت مع ما جاء سابقا، مؤكدة أن الأطفال الذين يتمكنون من قضاء أوقات أطول مع آبائهم يتمتعون بدرجات ذكاء أعلى وقدرات ومهارات أفضل من الأطفال الذين يقضون أوقاتا أقل برفقة آبائهم وذلك لأنهم يفتقدون لدور الأب. وخلصت نتائج الدراسة التي أجراها فريق متخصص من جامعة "نيوكاسل البريطانية"، أن الأطفال الذين يشاركون آباءهم أنشطتهم وألعابهم يتمتعون بصحة عقلية أفضل وذكاء أكبر وتتحسن لدى الطفل الآفاق في المستقبل.
وقال قائد الفريق البحثي الدكتور دانييل نيتل: "ما كان مفاجئاً حقاً في هذا البحث هو الفرق الحقيقي والكبير في تقدم الأطفال الذين استفادوا من الاهتمام الأبوي، وحتى بعد مرور 30 عاماً كانوا أكثر قدرة على تحصيل طبقة اجتماعية مرموقة ومكانة وثروة".
وأضاف "تشير البيانات إلى أن إشراك شخص بالغ ثانٍ في مرحلة الطفولة له فوائد جمة من حيث المهارات والقدرات التي تدوم حتى بعد التقدم في العمر".
ولفتت الدراسة إلى أنه لا يكفي أن يعيش الأب والأم معا، بل يجب على الأب المشاركة بالأنشطة الحياتية للطفل حتى يتعزز لديه النمو، وتزداد قدراته العقلية والذكائية.
ويعد التقارب الأسري والتواصل والتواجد للآباء مع الأبناء من العوامل المهمة على النمو الشامل السليم في الجوانب النفسية والانفعالية والاجتماعية لدى الأطفال، بحسب التربوي الدكتور عايش نوايسة.
ويشير إلى أن تواصل الآباء مع الأبناء يقرب المسافات بينهم ويوفر بيئة خصبة للنمو السليم لدى الطفل مثل الاستقرار العائلي، والتغذية السليمة، والرعاية الصحية الجيدة، والرعاية الأسرية المتوازنة.
كما يسمح تقارب الآباء من أبنائهم، وفق نوايسة، بالسماح بإطلاق طاقات تسهم في تنمية وتطوير القدرات الذكائية لدى الطفل.
وأشارت الدراسات الحديثة إلى أن احتضان الوالدين لابنهما واللمس على كتفه يزيدان من ذكائه ونموه الطبيعي؛ إذ يساعدان على إفراز مادة "لاندروفين" في الجسم، وهي موصل عصبي يساعد على تخفيف العصبية والقلق النفسي والإحساس بالألم.. إن العقل ينشطه الأمن ويحجمه التوتر؛ ولذا تتضح أهمية الدعم المعنوي للطفل بالتشجيع والحب.
ويلفت نوايسة إلى أن قضاء الآباء الوقت مع أبنائهم يسهم في التغلب على العوائق الأسرية التي تعترض الإبداعات، مبينا أهمية الابتعاد عن التأنيب المبالغ فيه تجاه المحاولات الفاشلة للطفل أو حرمانه من التجريب والخطأ، والحماية الزائدة، ومقابلة استفساراته بنوع من السخرية أو الاستهتار.
كذلك، الابتعاد عن الإفراط في التدليل أو الإفراط في العقوبة والقمع، أو تجاهل الحوارات معه والتي من شأنها أن توجه الطفل ذهنيا وتنظم أفكاره، خاصة وأن ملكة الخيال عند الأطفال تفوق التصور وينبغي تغذيتها، أيضا تجاهل هموم الطفل ومخاوفه، وعدم الإلمام بإمكاناته وقدراته الذاتية، يؤثر عليه سلبا، وفق نوايسة.
وفي المقابل، يلفت نوايسة إلى العديد من العوامل المحفزة للقدرات العقلية للأبناء مثل: التواصل اللغوي المستمر، وتحدي ذكاء الطفل من خلال التنويع في أدوات التعامل معه في محيط تعلمه الأسري، وتركه يواجه ويحل مشكلاته بنفسه وممارسة هواياته تحت رقابة وتوجيه الأهل الإيجابي.
وفي الجانب النفسي، يعتبر أخصائي علم النفس الدكتور موسى مطارنة أن الآباء نماذج مهمة في تنشئة طفل في السنوات الثلاث الأولى من العمر؛ حيث تكون علاقته مرتبطة بالأم والأب، ووجود الأب كنموذج سلوكي ونفسي يبث طاقة إيجابية ويلتصق به بشكل كبير ويقلده ويكون نموذجه النفسي والسلوكي والإنساني.
ويقول مطارنة "إن ارتباط الأب بابنه يشعره بالأمان والراحة والجرأة والشجاعة، ويسهم ذلك في تشكيل شخصية قائمة على هذا النموذج، وبالتالي وجود الأب مهم لأي طفل لأنه يشكل حماية له، والتصاقه به ومرافقته يعلانمه القدرات الاجتماعية والتفاعل الاجتماعي وتعلم السلوك والأنماط الاجتماعية الصحيحة في التعامل مع الأقارب والأصحاب والمجتمع".
والطفل يختزن المعلومات، يراقب ويكتسب التصرفات من والده، وبالتالي تصبح لديه المهارات ويكتسبها من خلال الاحتكاك بالأب، وفق مطارنة الذي يشدد على ضرورة مرافقة الأب أبناءه في المناسبات الاجتماعية والرحلات حتى يكتسب الابن مهارات يستفيد منها في المستقبل ويساعده على حياته والخوض فيها بطريقة صحيحة.
ويؤكد مطارنة أن الأب النموذج الأول والقدوة في حياة الطفل، لذلك لا بد من الحذر في تصرفاته لأنه يدرب ويعلم، فما دام الابن أمامه يجب أن يكون حذرا منتبها لسلوكه حتى لا يلتقط الابن باللاشعور أي تصرف أو سلوك سلبي بطريقة غير مباشرة.