أفكار ومواقف

“مشروع” إنصاف متأخّر للنساء

 


رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، والتغيير ينبع من رفض لواقع طالما لمسنا فيه أشكالا مختلفة من التمييز ضد النساء، وشهدنا بأمّ أعيننا ممارسات من الظلم يتعرضن لها، في ظل معتقدات وقيم مجتمعية ما تزال تؤمن أن مكان المرأة المطبخ.


كثيرة هي الآمال التي نمت وماتت من أجل القضاء على جزء من هذا الواقع أو تغيير شيء منه، إلا أن الاختلاف المنشود كان يصطدم عادة بتشريعات بنيت على أساس من القيم المجتمعية البالية، ولم تهدف يوما إلى تحسين أوضاع النساء.


ولأننا لا نعدم الأمل وننشد دائما الأفضل، فلربما يكون مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي عرضته دائرة قاضي القضاة على مجلس الإفتاء مؤخرا، توجّها للقضاء على بعض أشكال التمييز السلبي الذي عانت منه النساء على مدى سنوات طويلة خلت.


القانون الجديد يحمل في طيّاته نظرة أكثر عدالة وإيجابية تجاه النساء اللائي عانين من قصور القوانين وضعفها في حماية حقوقهن، والتي كان من المفترض أن تحمي الحقوق وتصونها، بدلا من التراجع إلى الخلف أو المراوحة في المكان نفسه.


الأمثلة الحية في مجتمعنا كثيرة، فظلم القوانين لشريحة واسعة من النساء لا ينتهي، فضلا عن أجواء أسرية وتنشئة اجتماعية ما تزال تقتل الطموح، ونظرة ذكورية ودونية ترسخت تجاه المرأة.


التشريع المقترح، في حال إقراره، سينقذ نساء فقيرات قيّدهن المجتمع بكثير من قيمه وأعرافه البعيدة عن روح العصر، والتي ما فتئت تنظر للنساء بوصفهن كائنات ناقصات عقلا ودينا.


وما تسرّب من بنود القانون، يؤكد أن النظرة السلبية تجاه النساء لا يمكن تغييرها إلا بالقانون في دولة تؤمن بأن الأردنيين نساءً ورجالا متساوون أمام القانون.


والأمثلة على ظلم النساء كثيرة، فواحدة سعت للطلاق منذ سنوات ولم تفلح، وأخرى حضرت لمشاهدة أطفالها في ظروف قاسية، ومنهن مَن فقدت حقوقها كاملة بإجبار من الزوج، كل ذلك رغما عنها لا لشيء إلا لأن القانون المطبق يتواطأ لمصلحة الذكور، ويرضي نزعاتهم الشريرة والمريضة.


الممارسات السلبية التي تعاني منها النساء تحت غطاء القانون متعددة، وكثير من النساء واجهن مشاكل لا تعد ولا تحصى من أجل تحصيل نفقتهن ونفقة أطفالهن في ظروف مذلة ومهينة للكرامة الإنسانية.


حكاية إثبات النسب طالما عانى منها المجتمع، ويبدو أن التشريع المنظور حاليا قد يخفّف من معاناة أطفال لا حول لهم ولا قوة كانوا ضحايا ظروفهم والقانون في آن معا.


مشروع القانون الجديد تضمن 320 مادة قانونية تعالج مختلف قضايا الأحوال الشخصية من ميراث ونفقة وأحكام الزواج والطلاق والحضانة، وتحقيق هذه الطموحات أمر يحتاج إلى تضافر جهود مؤسسات المجتمع المدني وناشطات في حقوق المرأة ورجال ومثقفين ووسائل إعلام.


القانون المقترح يحمل في طيّاته روحا عصرية متمدنة  لمصلحة النساء والمجتمع، وعلينا أن ندفع باتجاه أن يرى النور، فإصلاح حال النساء وتحسين أوضاعهن مسألة لا تنفصل عن فكرة الإصلاح والتغيير التي ننادي بها، فالإصلاح المنشود لن يصبح واقعا حقيقيا ما دامت النساء يعانين القهر والضياع والتمزّق.


[email protected]

‫6 تعليقات

  1. شكرا للكاتبه
    لطالما استفاد الرجل من التشريعات القديمه وعندما ياتي الوقت ليتنازل بالقانون عن بعض امتيازاته , سينتفض ويتهم من يحاولوا انصاف المرأه بانهم ضد الدين , لكن بالنهايه لا يصح الا الصحيح

  2. الشريعة هي الحل
    الاسلام انصف المرأة تماما ولا يمكن للمرأة اخذ حقوقها التي شرعها الاسلام الا بعودتنا الى تطبيق الدين الاسلامي بالحقوق الشخصية وليس بالقوانين البشرية

  3. المشكلة في المرأة الشرقية وليس في القانون
    بصراحه توقفت كثيرا عند العبارة الاخيرة من المقال والتي تقول أن الاصلاح المنشود لن يصبح واقعا حقيقيا ما دامت النساء يعانين القهر والضياع والتمزق .

    مع كل الاحترام والتقدير لكاتبة المقال ولكن على ما يبدو أن البعض يتناسى ما تعيشه المرأة الشرقية من صراع عنيف في داخلها بين ثورة ترفض واقع الحياة التي فرضت عليهاوبين افتقادها للصدق والصراحة عند مواجهة الناس من حولها .

    والسبب في ذلك هو تأثرها بطبيعة المعتقدات التي تنشأ عليها وخوفها من نظرة المجتمع إليها والذي له دور جوهري في تقييد حرية سلوك المرأه وتصرفاتها .

    أرجو أن لا يفهم من كلامي أنها دعوة لتمرد المرأة الشرقية ولكن من وجهة نظري فإنها تحتاج إلى إعادة النظر في مشوار حياتها ككل وأن تكون صادقة مع نفسها قبل أن تكون صادقة مع الآخرين .

    لن تكون تلك القوانين فاعلة في إنصاف المرأه إذا استمرت المرأه في افتقاد الجرأة في مواجهة الآخرين واعلان الثورة في داخلها ضد كل من يحاول انتهاك كرامتها أو حقوقها .

  4. حقوق بالمنطق..!!
    الأخت فريهان الحسن
    اشكرك على ما تفضلتِ به ، فهو يمت للواقعية بصلة كبيرة .. وبالرغم من رفضي لكثير من الحقوق الذي يتم المطالبة بها ليتم ادراجها ضمن قائمة حقوق المرأة إلا انني اتفق معك فيما طرحتي من فكرة وقضية مهمة.. وما ارجوه واتمناه أن يتم النظر الى قضايا المرأة من قبل المرأة ذاتها "بطريقتك" بواقعية وحيادية بعيداً عن التطرف الجنسي والعنصرية النسائية ، اتمنى ان يتم التعامل مع تلك الحقوق كواقع يليق بالمجتمع ودفع التعنت غير الضروري ..
    لكني اعلم اني ما ارجوه هو المحال ، فمن الصعب العثور على مطالبات نسائية تخضع للمنطق .. إلا من رحم ربي طبعاً ..
    اجدد شكري لك ِ

  5. حقوق المرأة أم حقوق المستضعفين
    كثيرون هذه الايام من يكتبون عن حقوق المراة والذين يدعون حرصهم عليها ولا يخلوا نقاش عن حقوق الانسان الا وكان للمراة نصيب كبير فيه،لست من المتذمرين من ذلك ولكن هل صحيح أن عندما يكون هناك قصور أو نقص في حقوق المراة يكون السبب دائما أنها امرأة وأن الاخر رجل (الظالم) واذا وجد من النساء من يظلم المراة هل من المناسب التحدث عن حقوق المراة !!!مثلا لا أكثر رياض الأطفال والمدارس الابتدائية الخاصة تقوم بتوظيف نساء (معلمات وعاملات) باجور أقل بكثير من الحد الأدنى للأجورودون أية حقوق عماليةويتم أخذ الاقرارات اللازمةلضمان عدم مطالبتهن بحقوقهن العمالية وغالبية هذه المدارس أصحابها وبالأحرى صاحباتها نساء وفي كثير من الحالات كن يعملن بذات الظروف في يوم من الايام!!!
    كثيرات هن صاحبات المشاغل اللواتي يقمن بنفس الاستغلال للعاملات لديهن وكذلك بمختلف المهن كصالونات التجميل وغيرها.
    كثيرات هن الحموات اللواتي يظلمن زوجات أبنائهن بل ويحرضنهم على ظلمهن .
    لا اريد الاطالة فالأمثلة كثيرة وخلاصة القول أن الأمر لا يتعلق دائما بظلم المراة لانها امرأة لا بل لانها الطرف الأضعف في معادلة اجتماعية أو اقتصادية ما .
    بالطبع هناك امثلة لظلم المراة لانها مراة لا يمكن انكارها مثل الفرق نظرة المجتمع الى المراة المطلقة والرجل المطلق ونظرتهم الى الرجل الفنان والمراة الفنانة….
    لكن وفي أغلب الحالات التي يتحدث فيها المدافعون عن حقوق المراة عن ظلمهافان الواقع أنيخبرنا أن سبب ذلك الظلم أنها الطرف الاضعف وان ما يصدق عليها يصدق أيضا على الرجل .
    من الامثلة التي تساق وتبحث ونوقشت كثيرا كحق للمرأة حقها في اعطاء جنسيتها لأطفالها !! أستغرب كثيرا أن يتم نسبة هذا الحق للمراة فهو صحيح حق يجب المطالبة به ولكنه ليس حقا للمراة بل هو حق لهؤلاء الأطفال ويجب تسميته حق الأطفال في الحصول على جنسية امهم .
    كثيرة هي الأمثلة التي قد يكون الرجل فيها مظلوما مثلا اذا كان مؤخر الصداق عاليا و اراد الرجل الطلاق ألا يمكن القول أنه بدفعه هذا المؤخر العالي قد تعرض للظلم.بل الا يمكن القول أن تكليف الرجل بالمهر للزواج هو ظلم !الا يمكن لنظرة مدنية حقوقية بعيدا عن تعاليم الدين القول انه من الظلم أن يكلف الرجل بالانفاق على المرأة والأطفال.بالطبع أنا لا اعتقد ذلك ولكن لا يحق للمدافعين عن الحقوق المدنية للمراة انتقاء ما هو لصالح المراة وطرح ما عداه فاما أخذ أحكام الشريعة فيما يتعلق بالأحوال الشخصية كما هي وتطبيقها التطبيق العادل وهو ما اراه الأنسب لمجتمعنا أو تركها.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock