مشروع قانون الانتخاب يعزز المحاصصة في مرحلة الإصلاح السياسي

أظهرت القراءة النيابية الأولى لمشروع قانون الانتخاب أننا سنسير طويلا للوصول إلى قانون انتخاب ديمقراطي، يفرز مجلسا نيابيا يمثل المواطنين حقيقة. فقد تعامل نواب مع القانون ليس من منطلق تأثيره على الحياة الديمقراطية في الأردن، وعملية الإصلاح التي نسعى للوصول إليها، وإنما من منطلق حجم المقاعد التي خصصت لبعض المناطق وفئات المواطنين. اضافة اعلان
ويبدو أن منطق المحاصصة هو الذي سيهيمن على نقاش النواب لمشروع القانون. وهذا الأمر ليس مستغربا، وعلينا أن لا نعيب على النواب الذين طالبوا بمقاعد لفئات ومناطق جغرافية طرحهم، مع أننا ضد أي طرح يعتبر مجلس النواب كعكة وعلينا اقتسامها، و"الشاطر" الذي يحصل على الحصة الأكبر. فهؤلاء النواب، يتعاملون مع واقع على الأرض مفروض منذ سنوات وسنوات، وجاءت هذه الحكومة لتكرسه، رغم إعلانها أنها ترفضه.
فمشروع القانون الذي تقدمت به الحكومة إلى مجلس النواب يعزز المحاصصة، ويثبتها من خلال الحفاظ على "الكوتات"، وإضافة "كوتا" جديدة هي "الكوتا الحزبية"، ومن خلال إضافة نواب المقاعد التعويضية، والتي تخصص للألوية التي كانت لها مقاعد في القانون السابق، ولم يحالف مرشحيها الحظ في الانتخابات السابقة؛ فحتى لا يحرموا من مقعد، خصص لهم المشروع مقاعد نيابية تعويضية. وقد وصف هؤلاء من قبل نواب في جلسة مجلس النواب أول من أمس بأنهم "نواب المكرمة والحالات الإنسانية".
الحكومات المتعاقبة كرست المناطقية والمحاصصة في قوانين الانتخاب السابقة التي أقرت بشكل مؤقت بعيدا عن مجلس الأمة. وجاءت هذه الحكومة، التي مهمتها تحقيق الإصلاح السياسي، لتكريس البعد المناطقي والسكاني والمحاصصة من خلال المشروع، مع أنه كان من المفترض أن تكرس قانون انتخاب ديمقراطي، يتعامل مع المواطن والوطن، ويكرس مبدأ المواطنة. فالنائب يجب أن يكون لكل المواطنين، يدافع عن حقوقهم ومكتسباتهم، ويسعى إلى تحقيق الخير للوطن.
قد يكون مفهوما أن يخصص قانون الانتخاب في أوقات سابقة مقاعد لفئات ومناطق، ولكنه من غير المنطقي في زمن الإصلاح أن يأتي القانون ليكرس واقعا مرفوضا، ويثير الانقسام والفرقة في المجتمع.
من أبرز السلبيات والمثالب على قانون الصوت الواحد أنه أثار الانقسامات والنزاعات في المجتمع، حتى وصلت إلى العشيرة والعائلة الواحدة التي اختلفت على مرشحيها لمجلس النواب. ويبدو أن هذا القانون سيثير الخلافات ليس في داخل العشيرة والعائلة الواحدة، ولكن بين فئات عديدة في المجتمع، ما يعيدنا إلى الوراء بدلا من التقدم إلى الأمام.
ولذلك، فإن مجلس النواب عليه أن يتعامل مع مشروع القانون بمنتهى الحساسية، وأن يعمل على إزالة كل ما يعزز السلبيات والخلافات ويقسم المجتمع. وليس المطلوب إزالة "الكوتات" التي كانت موجودة سابقا، ولكن المطلوب عدم زيادتها. والمفروض العمل من أجل وحدة المجتمع، من خلال التعامل معه كوحدة واحدة، وليس تقسيمه.
ليس صعبا الوصول إلى مشروع قانون انتخاب ديمقراطي عصري يعزز المواطنة ووحدة المجتمع. ولكن من الضروري لتحقيق ذلك إيقاف الدعوات التي تعزز الانقسام والفرقة. لا يمكن التقدم في المجتمع المدني في ظل البحث عن مكتسبات مناطقية وجغرافية. فهل يستطيع مجلس النواب تحقيق ما عجزت الحكومة عن تحقيقه؟ سؤال مطروح، ستظهر إجابته قريبا بحسب المناقشات والحوارات التي ستجريها اللجنة القانونية النيابية، والنتائج التي ستتمخض عنها. ولكنه سؤال يمكن معرفة جوابه من النقاشات التي شهدتها جلسة مجلس النواب أول من أمس، والتي أظهرت أن نوابا كثرا يسعون إلى تعزيز المحاصصة وليس التخلص منها.

[email protected]