مشكلات التعليم الديني في الجامعات

د. أحمد ياسين القرالة

لا تكاد تخلو جامعة من جامعاتنا الوطنية أو الإسلامية من كلية من كليات الشريعة أو الدراسات الدينية، وكان لهذه الكليات دور مهم في إشباع الحاجات الدينية للمجتمع بتزويده بالأئمة والوعاظ وإمداده بالقضاة والمفتين ودعمه بالخبراء والمدرسين وغيرهم، وقد أسهمت هذه الكليات إلى حد كبير في نشر التدين الراشد المنضبط وتصدت بشكل جيد للتطرف والإرهاب.اضافة اعلان
ولكن هذا لا يمنع من وجود بعض وجوه الخلل ومظاهر القصور التي لا بد من علاجها ليصبح التعليم الديني على أكمل حال وأحسن وجه، وذلك بتخليصه من بعض العيوب التي تحدُّ من فاعليته وهي:
اعتماد الأسلوب التلقيني في التعليم والابتعاد عن أسلوب حل المشكلات، الذي يجعل المتعلم قادراً على التعامل مع المواقف الحياتية المختلفة، فالتلقين (التعليم البنكي) يجعل الطالب عاجزاً عن ابتكار الحلول الخلَّاقة لمشاكل الحياة وتقديم البدائل المقترحة لحلها.
عدم التخصصية في زمن الاختصاص وتقسيم العمل، فالدراسات الشرعية خاصة في ميدان الفقه تفتقر للتخصص الدقيق الذي يولّد الإبداع ويورث الاتقان، فنظرة سريعة لبرنامج بعض المدرسين -وأنا واحد منهم- تجده موزعاً على أبواب الفقه المختلفة، وكذلك الأطاريح والرسائل التي يتولى الإشراف عليها أو يقوم بمناقشتها.
التقليدية في التعليم لغة وأسلوباً وأمثلة، فبعض المراجع غير صالحة للتدريس الجامعي؛ لأنها ألفت لزمان غير زماننا، وهذا لا يمنع من وجود بعض الدراسات النصية التي تساعد الطالب على التعامل مع كتب التراث وتعينه على فهمها، ولكن يجب ألا نغفل عن ربط كل ذلك بالأمثلة الحياتية العملية وترجمتها بلغة معاصرة، ولعل في قرارات المحاكم مادة دسمة لتزويدنا بالأمثلة والتطبيقات.
النزوع نحو استخدام اللغة الوعظية والابتعاد عن اللغة العلمية، فمن الواجب في التعليم الجامعي أن يكون قائماً على التعليم بطريقة منهجية تراعي الأمور الآتية: استخدام المصطلحات العلمية إذ يحظر على الطالب ألا يستخدم مصطلحات الفنون العلمية، إدراك الفروق بين المصطلحات والأحكام، القدرة على التسبيب والتعليل؛ لأن التسبيب ينمُّ عن المنطقية في التشريع، القدرة على الاستدلال وتوظيف الأدلة لخدمة القضية موضوع البحث، وأخيراً تأهيل الطالب ليكون متمكناً من تطبيق المعارف والكفايات التي تعلمها لابتكار الحلول للمشكلات الحياتية، وهذه هي غاية التعليم النهائية. الانفصال عن العلوم الأخرى كالاقتصاد والتربية والقانون وعلم الاجتماع وغيرها، مع أنها علوم ضرورية لـتأهيل الطالب، وتعويده على احترام هذه العلوم وتوظيفها في حياته اليومية. الاعتماد على الأسلوب الذَّري في التعليم، أي إغراق الطالب في الجزئيات والتفصيلات مع غياب الكليات والمبادئ العامة، إذ من الضروري جداً دراسة النظريات جنباً إلى جنب مع الجزئيات.
ضعف الموضوعية وسيطرة الذاتية والخضوع للتيار المذهبي أو السياسي في التعليم، خاصة فيما يتعلق بدراسة الأديان والمذاهب، التي يجب أن تدرس بموضوعية كاملة ومن مصادرها المعتبرة.