مشكلة التعليم في الأردن.. يا وزارة ويا نقابة قابلا دافع الضرائب!

جواد جلال عباسي لنبدأ بالحقيقة الصادمة وهي نسبة نجاح التوجيهي في مدارس الحكومة مقابل المدارس الخاصة والتي بلغت 91 % لطلاب المدارس الخاصة بينما لم تتجاوز 41 % لطلاب مدارس الحكومة. للأسف _وضمن نهج التعتيم على الفشل الحكومي_ هذا الرقم لا يعلن بصراحة سنويا بل يحتاج المحلل إلى استنتاجه من ارقام موجودة في تقريرين مختلفين واحد في وزارة التربية والثاني في دائرة الموازنة العامة: في التقرير الإحصائي للعام الدراسي 2018/2017 المنشور في 2019 نجد ان عدد طلاب مدارس الحكومة قد شكل 72 % من مجمل الطلاب بينما شكل طلاب المدارس الخاصة ما نسبته 28 %. وفي ميزانية 2019 لوزارة التربية والتعليم المنشورة على موقع دائرة الموازنة العامة نجد ان نسبة نجاح طلاب مدارس الحكومة في التوجيهي للعام 2017 كانت 41 %. وعليه تكون نسبة نجاح طلاب المدارس الخاصة (على فرض انهم أيضا يشكلون 28 % من طلاب التوجيهي) 91 % لتكون نسبة النجاح العامة لجميع الطلاب 55 % بحسب ما أعلنت الوزارة. هو أمر جلي وواضح ان وضع التعليم في مدارس الحكومة في الأردن يحتاج معالجات وحلول جذرية تتطلب تعاون النقابة مع الحكومة وادخال طرف ثالث هو دافع الضرائب الأردني. فقد بلغت ميزانية وزارة التربية والتعليم 980 مليون دينار في 2019. أي أن وزارة التربية والتعليم تأخذ من دافع الضرائب الأردني حوالي 680 دينارا سنويا عن كل طالب يدرس في مدارسها. ووصل العدد الإجمالي للمدارس الحكومية إلى 3835 مدرسة. منها 16 % لا يتجاوز عدد الطلاب فيهم 100 طالب و22 % منهم عدد الطلاب فيهم من 101 الى 200 طالب. وهذا يعني ان 38 % من مجمل مدارس الحكومة معدل الطلاب فيها _تقديرا_ اقل من 110 أو 120 طالبا. المفارقة الغريبة أن ربع طلاب مدارس الحكومة يدرسون في مدارس الفترتين بسبب الاكتظاظ (5 % من مدارس الوزارة يزيد طلابها عن ألف طالب) بينما 38 % من مدارسها لا يتجاوز معدل الطلاب فيها 120 طالبا. وهو مؤشر على قلة المدارس الحكومية في المدن الكبيرة وعددها الفائض في القرى والتجمعات السكانية البعيدة. كذلك تستأجر الوزارة 806 من مدارسها تشكل 21 % من مجمل مدارس الحكومة. وتقديرا فإن كلفة استئجار هذه المدارس يزيد على عشرة ملايين دينار سنويا. تضاف إلى أكثر من 43 مليون دينار تصرفها الوزارة سنويا نفقات ادامة وتشغيل لمجمل مدارسها. بمجموع يتجاوز 53 مليون دينار سنويا. فوصلنا الى الوضع التالي: - نظام تعليمي حكومي يفشل فيه 60 بالمائة من الطلاب مقابل نظام تعليم في المدارس الخاصة يكلف غالبية الأهل تقريبا نفس الكلفة مع نسب نجاح تتجاوز التسعين بالمائة. - اكتظاظ كبير في مدارس يرغم الطلاب فيها على نظام الفترتين مقابل أكثرية من المدارس شبه الخاوية وغير الحاصلة على كامل احتياجاتها من معلمين وإداريين وموارد. - هدر كبير في الموارد بسبب توزيعها على عدد أكبر بكثير من العدد المثالي للمدارس وبذات الوقت ضعف الانفاق على كل مدرسة. هذه المشاكل المتراكمة الهائلة يتحمل وزرها أساسا كل وزير تربية وتعليم تعاقب على الوزارة منذ عشرين سنة على الأقل متكافلا ومتضامنا في تحمل المسؤولية مع كل مجلس وزراء مر على الأردن بذات الفترة. والحلول يجب ان تكون جذرية. واغفالها مسؤولية كل من تبوأ منصب وزارة التربية والتعليم وكل حكومة مرت ورحلت المشاكل. بدلا من تحميل وزر الوضع البائس الحالي للمعلمين حصرا. لربما قد يشمل الحل الجذري إجراءات جراحية منها التالي: - اغلاق كل مدرسة مستأجرة وقليلة الطلاب (اقل من 150 طالبا مثلا) ونتائجها التعليمية سيئة مع نهاية العام الدراسي الحالي. ونقل معلميها إلى مدارس حكومية أخرى في نفس اللواء. وبذات الوقت إعطاء الأهل مبلغا نقديا سنويا عن كل طالب ليكون بدل مواصلات للمدارس الابعد والأحسن أو حتى لإدخال أبنائهم في مدارس خاصة. مثلا 50 دينارا شهريا عن كل طالب بدل مواصلات للمدارس الابعد والأفضل بأجمالي 450 دينارا كل سنة دراسية لكل طالب. والتوفير في النفقات التشغيلية من اغلاق المدرسة لربما قد يكفي ويزيد عن بدل المواصلات لكل طالب فيها. - في المرحلة الثانية إغلاق كل مدرسة غير مستأجرة بل مملوكة للوزارة وقليلة الطلاب ونتائجها سيئة بنفس الإجراءات أعلاه من نقل المعلمين لمدارس أخرى وإعطاء الأهل مبلغا نقديا سنويا عن كل طالب ليكون بدل مواصلات للمدارس الابعد والأحسن. - إن إعطاء الأهل بدل مواصلات سنوي مجز سيكون حافزا لهم لقبول ارتياد أبنائهم مدارس ابعد لكنها أفضل من الناحية التعليمية لأبنائهم. كذلك فان بدل المواصلات قد يخلق فرصا عمل جديدة لأصحاب وسائل النقل بحيث يقومون بنقل الطلاب يوميا. ونقل المعلمين إلى مدارس أخرى في ذات اللواء يضمن عدم تأثرهم سلبا. - من إيجابيات هذا الحل الجذري والجراحي توفير نفقات استئجار وادامة المدارس المغلقة وتحويلها وتركيزها على باقي المدارس وبالتالي تحسين نوعية التعليم فيها. - وفي حالات اخلاء مدارس مملوكة للوزارة يمكن تأجير هذه العقارات لمؤسسات حكومية أخرى تحتاج هذه المباني او حتى تأجيرها للقطاع الخاص. بحيث يساهم عائد التأجير في رفد ميزانية الوزارة بموارد تساعدها في تحسين رواتب المعلمين وبناء المدارس للوصول الى وضع تكون فيه كل المدارس بنظام الفترة الواحدة وأيضا كلها مملوكة للوزارة. تخيلوا ان نصل مرحلة تكون فيها أصغر مدرسة حكومية فيها ما لا يقل على 350 او 400 طالب ومتوفر فيها طاقم تعليمي وإداري كامل وموارد تعليمية وافرة. كم سيتغير حال التعليم وقتها؟ طبعا تقليل عدد المدارس سيعني الحاجة لطواقم تعليمية اقل وهذا يتم بدون الاستغناء عن أي معلم بل بعدم استبدال من يصل سن التقاعد حتى نصل إلى عدد مثالي وميزانية تعليم مثالية تدفع رواتب جيدة للمعلمين وتضمن بيئة تعليمية ناجعة لكل الطلاب. أخيرا وفيما يخص التعاطف الشعبي الكبير مع مطالب المعلمين لرفع رواتبهم المتدنية. فإن مصداقية الحكومات المتدنية جدا هي سبب مهم في الدعم الشعبي للمطالب. فلا يستوي الحديث عن التقشف والوضع الصعب للميزانية الذي لا يقدر على زيادات المعلمين مع نفقات غير منطقية في الميزانية تشمل تلفزيونين رسميين يكلفان 50 مليون دينار سنويا. ونفقات جارية تشمل تأمينا صحيا لكل نائب وعين ووزير عامل ومتقاعد وفروعهم في المستشفيات الخاصة _وخارج الأردن للبعض_ حيث يستمر نهج الضبابية الرسمي في عدم الافصاح عن الكلفة السنوية والتراكمية لهذا التأمين واخفاءه ببراعة في بنود الميزانية المختلفة. ناهيك عن كلف تقاعداتهم والمنح التعليمية وغيرها من المنافع. آن أوان الحديث الجدي الصريح بين كل الأطراف: الحكومة ونقابة المعلمين ودافع الضرائب. لأن دافع الضرائب قد يمل من وضع لا يصان فيه ماله ويختار التقاعد خارج الأردن حاملا ضرائبه معه!اضافة اعلان