مشوار الاستثمار في الإنسان وتمويل التعليم

مع كتابة هذه السطور تفتح مدارسنا أبوابها وفي كافة ربوع الوطن لاستقبال ما يقرب من المليوني طالب في كافة المراحل الدراسية، وعلى موعد قريب من هذا اليوم يبدأ الفصل الدراسي الأول في الجامعات الحكومية، تليها بأيام جامعاتنا الخاصة ليتجدد مشوار الاستثمار في الإنسان والذي يعد أفضل أنواع الاستثمار لأنه الأساس الصحيح والسليم لبناء مجتمع صالح وقوي اجتماعيا واقتصاديا.
ونقصد بالاستثمار في الإنسان إعطاء الأولوية للاهتمام بالجيل الناشئ ومنحه فرص التعليم والرعاية الصحية وكل مستلزمات التكوين العلمي والمهني حتى يكون قادرا على تحمل المسؤولية، ومع انتشار الفقر وتنوع احتياجات الحياة، نجد العديد من أبناء الوطن الذين تتوفر لديهم القدرات الذهنية لا يجدون الفرص لتبني قدراتهم واستثمارها حتى تسهم في تطور الحياة الاقتصادية والاجتماعية لبلدهم، عندها يكون الوطن هو الخاسر الأكبر؛ حيث سيكونون عبئا على المجتمع بدل أن يكونوا أداة للنهوض به.
لقد رأينا وسمعنا عن العديد من الحالات وقصص نجاح نفتخر بها لآباء استثمروا بأبنائهم وضحوا وكابدوا في حياتهم من أجلهم فأصبح منهم الطبيب والعالم والمعلم الخ… وبالنتيجة كان الوطن هو المستفيد من عطاء هؤلاء النخبة وتميزهم، وفي المقابل كم من أصحاب هذه العقول توقفوا ولم يتمكنوا من مواصلة طريقهم لغياب الإمكانات وعدم قدرة ذويهم على الاستمرار في الاستثمار بهم، فنكون بذلك قد فقدنا فرصة من التقدم والرقي بمجتمعنا، في الوقت الذي لم تعد فيه الدولة قادرة على توفير مستلزمات هذا القطاع الواسع من الطلبة وتعدد رغباتهم التعليمية مع ارتفاع تكاليف الدراسة سواء المدرسية أو الجامعية والموزعة بين القطاعين العام والخاص.
من هذا الواقع كنا نتحدث والعديد من أصحاب الأقلام النيرة والمهتمين بالتمويل الإسلامي عن المسؤولية الأخلاقية والاجتماعية لمصارفنا الإسلامية تجاه مجتمعاتنا وبما ينسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية ومن ثم تأكيد مبدأ الابتكار والتجديد في صناعتها المصرفية والتي من شأنها أن تسهم في تحقيق رسالتها المنشودة، والتفكير بشكل مستمر في احتياجات المجتمع من عناصر التطور الاقتصادي والاجتماعي.
مناسبة هذا الحديث هو ظهور منتجات مالية إسلامية موجهة لقطاع التعليم مثل البرنامج التمويلي "اقرأ لتمويل التعليم " الذي طرحه البنك الإسلامي الأردني، للتأكيد على الأهمية التي يحتلها التعليم في برامج المسؤولية الاجتماعية لمصارفنا الإسلامية، وخدمة لعملاء المصرف والطلبة الراغبين في مواصلة دراستهم وتوفير إمكانية التمويل اللازمة لهم، كما يهدف إلى تخفيف الاعباء المالية التي تقع على كاهل أولياء أمور الطلبة ومساعدتهم على مواصلة مسيرة تعليم أبنائهم، من خلال تمويل يتوافق مع أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية.
إذا يوجد هدف وطني وأخلاقي من هذا المبتكر المالي الجديد هو تقديم الخدمة لعملاء المصرف والطلبة الراغبين في مواصلة دراستهم وتوفير إمكانية التمويل اللازمة لهم، وفي الوقت نفسه يعمل على توظيف الموارد المالية المتاحة في مصارفنا الإسلامية لتحقيق خدمة ذات مردود اقتصادي واجتماعي للمجتمع.
مع تقديرنا لأهمية مثل هذه الخطوات نتطلع إلى وضع ضوابط وشروط لهذه الخدمة لا تربك ذوي الطلبة، خصوصا وأن طالبيها سيكونون على الأغلب من ذوي الإمكانات المحدودة وان ترتبط كذلك بمستوى التحصيل العلمي لأبنائهم حتى تكون حافزا للنجاح وليس عبئا ماليا مضافا، كما ننتظر من بقية مصارفنا الإسلامية سواء العاملة في السوق المصرفي الأردني أو في المجتمعات الإسلامية الأخرى أن تبادر إلى تطوير خدماتها الاجتماعية، خصوصا في قطاع التعليم وبقية القطاعات الأخرى ذات العائد الاجتماعي، كما نأمل منها إعطاء أهمية أكبر للقرض الحسن إلى جانب الخدمة المذكورة لما لذلك من أهمية تمويلية لا تترك أعباء مالية على المستفيدين منه.

اضافة اعلان

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي