مصابات بالسرطان: نعمل بصمت كي لا نتسول

Untitled-1
Untitled-1

تحقيق: حنان الكسواني

عمان – "تركني زوجي بسبب مرضي، فدفعني للعمل وجرحي من عملية استئصال ثدي لم يلتئم بعد".. بمرارة لخصت الأربعينية سميرة معاناتها الأسرية التي امتدت الى نطاق عملها في المنازل.

اضافة اعلان

حولت الأربعينية سميرة (اسم مستعار) اهتمامها بعد ان هجرها زوجها الى العمل في تنظيف المنازل بأجر يقل عن اجور المستقدمات الأجنبيات، لكنها رضيت بما “قسمه الله” لها حتى تبعد عن نفسها شبح الفقر المدقع، ويزيدها قهرا، عندما تضطر الى ترك بناتها الثلاث وحدهن في منزلها المتواضع بمنطقة الهاشمي الشمالي.

تتناسى سميرة ألمها كلما اجتهدت بعملها والفرحة ترتسم على وجهها عندما تعود الى منزلها تحمل “ربطة خبز” من عرق جبينها.

“العمل مش عيب، بس الشحدة من الناس هو العيب”، تعبر عن رفضها الشديد لسلوكيات بعض السيدات اللواتي يتسولن في الشوارع ويطرقن أبواب المنازل بدلا من البحث عن عمل يحفظ كرامتهن حتى ولو كان عملا “غير لائق”.

إلا أنها ورغم ذلك، تشعر بالخجل من جسدها "المشوه"، حسب قولها لـ"الغد" بعد أن خضعت لعملية جراحية قبل سنوات لاستئصال ورم خبيث كان ينتشر في صدرها، قام خلالها الجراح باستئصال ثديها كاملا بشكل طولي وعرضي، مخلفا خريطة معالمها بارزة تذكّرها دوما بألمها

"لو كنت اعرف أن الكشف المبكر يمنع مبضع الجراح من استئصال جزء من جسمي لهرولت الى المستشفى لاجراء فحص سريري وصورة رنين تحدد مراحل علاجي مبكرا"، داعية "النساءأن بكسرن حاجز الخوف وان يبدأن بالفحص المنزلي شهريا".

حال سميرة كحال أسر أردنية تأثرت بجائحة "كورونا" وأقعدها عن العمل لكن هذه الأسر تفكر بإعداد الطعام الجاهز في منزلها وبيعه حسب "التواصي"، إذا وجدت الدعم المالي.

فجائحة كوونا "كشفت عن هشاشة سوق العمل والافتقار لمتطلبات الحماية الاجتماعية بين فئات العمالة، خاصة فئات العاملين في الاقتصاد غير المنظم،.وظهر جليا خلال الأزمة مدى تعرض هذه الفئة لخطر فقدان الدخل اللازم لمعيشتهم وأسرهم، في ظل المؤشرات التي تؤكد أن هذه الفئة ستتوسع في الفترة القادمة على حساب القطاع المنظم نتيجة فقدان الآلاف لوظائفهم”، بحسب بيان لـ "بيت العمال" بمناسبة اليوم العالمي للعمل اللائق الذي صادف الأسبوع الماضي.

مصابة بسرطان الكلى تمزج الألم بالعمل

بحرج شديد، قبلت الثلاثينية منتهى (أم نضال) الخوض في تفاصيل تجربتها في مكافحة سرطان نال من كليتها اليمنى، وبصوت خفيض تتحدث مع "الغد" عن ألمها بعد استئصال كتلة صغيرة قبل يومين، في أحد المستشفيات الحكومية

تارة تنظر منتهى (اسم مستعار) الى أطفالها الصغار الجياع، وتارة أخرى تذهب بنظرها إلى أطباق فارغة على رفوف مطبخها، فقررت أن تنهض من فراشها رغم ألمها وتتلثم بمنديلها الأسود الطويل لطحن خبز جاف التقطه ابنها البكر (15 عاما) من حاويات القمامة لتحويله الى علف للدواجن مقابل دينارين لكل "شوال"، حسب ما قالت لـ"الغد".

"كلما طحنت أرغفة الخبز الناشف يتطاير غباره فيدمر صحتي"، تضيف منتهى التي فشلت في الاستمرار بمهنتها الأصلية تصليح الملابس للجيران بسبب مرضها وكان يدر عليها دخلا يكفيها "سؤال الناس"، قائلة "التعفف والاجتهاد في طلب الرزق احسن من التسول".

غير ان فيروس كورونا جار عليها فتباعد الناس عن منزلها وجف دخلها الشهري، وفي الوقت ذاته قل انتاجها اليومي من الخبز الجاف إلى "شوال بدلا من شوالين"، وتأثر دخلها الشهري لينخفض إلى 20 دينارا بدلا من 40 كما كان قبل انتشار الوباء.

في ظل تردي الوضع المعيشي لهذه الاسرة "المعدومة"، وعجزها عن تسديد ايجار منزلها في منطقة النظيف، تراكم عليها حوالي 440 دينارا، وفواتير كهرباء ومياه، ومع ذلك ما تزال المريضة منتهى تلملم تحت سقف منزلها المتواضع 7 افراد بلا أب معيل أو معونة وطنية شهرية تبعد عنهم شبح العوز والحرمان.

"امام مرآة حمام منزلي افحص ثديي بعد انتهاء الدورة الشهرية باسبوع بصمت، للكشف عن كتلة مثل ما علمتني جارتنا الممرضة، والحمد الله انني لم اكتشف أي تغيير على شكل ثديي لكني تفاجأت لاحقا ان الكتله في كليتي"، حسب قولها.

رغم ذلك ، تستمر منتهى "المهمشة" بفحص ثدييها حتى تطمئن على صحتها من أجل نفسها والمحافظة على بقاء أطفالها فهم بحاجة لحنانها، بحرقة شديدة تقول "يكفي أني أتحمل ألمي من سرطان في كليتي، لكن معدتي الخاوية من سيمدها بالغذاء؟"

حقهن بالعمل بكرامة

عشرات من المصابات بأمراض سرطانية اجسامهن تهتكت إما من عمليات جراحية أو جرعات كيماوية وأعمال منزلية ما يحرمهن من الانضمام لصفوف العمل المنظم في ظل غياب الزوج المعيل أو معونة وطنية أو جمعيات خيرية داعمة لهن بشكل لائق.

لم تسمع أغلب المصابات بسرطان مؤلم عن مفاهيم تتناقلها منظمات عمالية محلية وعالمية حول "الحماية الاجتماعية والقانونية"، غير أنهن يحلمن بالعيش بكرامة والعمل بشكل منظم بشكل يتناسب وقدراتهن الجسدية، ويدر عليهن راتبا شهريا ثابتا يغطي مصاريف العائلة في ظل غياب الزوج أو لعدم مساعدته في تحمل أعباء الحياة.

"متاعب الحياة لا تنتهي"، حسب قول بعضهن لـ"الغد" بيد أن بضعة "دنانير" يتم جمعها في ظروف عمل قاسية لا تتوفر بها شروط السلامة العامة، وأجور منخفضة، "يتم إنفاقها لانتشال ابنائهن من الغرق في بحور الفقر المدقع".

المرصد العمالي، التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، أطلق قبل 3 سنوات حملة للتوعية بمعايير العمل اللائق بعنوان "حقي أشتغل بكرامة"، ليكون جوهر مطالبة الحكومة بإعادة النظر بشكل جذري بسياساتها الاقتصادية والاجتماعية، خاصة سياسات العمل والتشغيل، وتطوير سياسات تشغيل فعالة وعادلة، وتنظيم سوق العمل.

في حين ربطت جمعية معهد تضامن النساء الأردني (تضامن) بين التأثيرات التي يتركها مرض السرطان على الأفراد والمجتمعات وسط توقعات أنها ستحد بشكل ملموس من إمكانية تحقيق أهداف التنمية المستدامة باعتبار أن السرطان سبب ونتيجة للفقر في الوقت نفسه.

وأكدت الجمعية أن "مرض السرطان يحد من قدرة الأسر على كسب الدخل ويزيدهم فقراً مع ارتفاع تكاليف العلاج، كما تنعدم فرص التعليم والرعاية الصحية اللذين من شأنهما زيادة فرص الإصابة بمرض السرطان والموت بسبب الفقر"، بحسب مديرها التنفيذي منير ادعيبس.

عدد من المصابات بالسرطان اللواتي هجرهن أزواجهن لأسباب اجتماعية واقتصادية يتلقين دعما مجتمعيا وأسريا يقوي من عزيمتهن، فالمصابة بسرطان اللوكيميا (أم سائد) من سكان ماركا الجنوبية طلقها زوجها قبل سنتين منذ إصابتها بالمرض، ومن أجل ذلك تعمل مقيمة أطفال في منزلها أحيانا او تراقب "احباب الله" في منازل معارف وأصدقاء لها في المنطقة.

تحدد (أم سائد) أجرتها في اليوم الواحد حسب الطلب بخمسة دنانير قد تصل أحيانا الى 10 باعتبار منطقتها شعبية وأغلب سكانها من الطبقة المتوسطة أو ذوي الدخل المحدود وقدراتهم المالية محدودة، لكن ثقة الموظفات بها للعناية بأطفالهن ترسم الابتسامة على وجهها وتمنحها القوة للاستمرار بطريق العمل.

"قبلت بالفقر والمرض لكني لن اقبل بالجهل لذلك سالتزم بالفحوصات والعلاج واتناول أدويتي لكني لن اترك عملي مصدر قوتي وقوة اطفالي ،والله هو الحامي والحاني على خلقه"، على حد تعبير ام سائد.

جمعيات تدعم مصابات عفيفات "بصمت"

"الغد" رصدت نشاط بعض الجمعيات الخيرية التي تسعى لتحسين الحياة المعيشية للأسر العفيفة بما فيها مصابات بالسرطان باستخدام تطبيق "واتساب" حفاظا على كرامة تلك الأسر "المعدومة ماليا" بجانب الدعم العلاجي والمعنوي الذي تتكفله مؤسسة الحسين للسرطان ومركز الحسين للسرطان، والبرنامج الوطني للكشف المبكر عن سرطان الثدي الذي يبث رسائله التوعية منذ تاسيسه بهدف تخفيض معدلات الوفيات الناتجة عن سرطان الثدي، عن طريق الانتقال من تشخيص المرض في مراحله المتأخرة (الثالثة-الرابعة) إلى تشخيصه في مراحله المبكرة (صفر- الثانية) حيث تكون فرص الشفاء ومعدل النجاة أعلى وتكاليف العلاج أقل.

من هذه الجمعيات، "زدني كرما على كرم"، جمعية أردنية خيرية، طلبت قبل يومين عبر رسالة نصية هاتفية من أهل الخير مساعدة مريضة سرطان، عدد أفراد عائلتها 7 معظم أبنائها طلاب مدارس، وأحدهم مريض بالقلب تقضي والدته معه أياما في المستشفى.

تقول الجمعية ذاتها، لـ"الغد"، عن هذه السيدة،  "كان الله في عونها، فما بين زيارتها لمستشفى السرطان لمتابعة حالتها وما بين متابعة حالة ابنها الصغير مريض القلب، تشكو هذه المرأة من عدم توفر غسالة في بيتها لكنها رغم تعبها ومرضها تغسل باليد".

وحددت الجمعية احتياج هذه المريضة بشراء غسالة بقيمة 200 دينار لتفريج كربها، تحت بند "زدني سترا" (اقالة عثرات الأسر) حيث يتم دفع إيجارات وفواتير مستحقة وشراء أجهزة كهربائية للأسر المستورة.

بينما ركزت جمعية أصدقاء مرضى السرطان الخيرية عبر موقعها على (فيسبوك) على المساهمة الفعالة في تخفيف معاناة وآلام مرضى السرطان والايتام والفقراء في الاردن، وتحسين فرص الشفاء والمعيشة لهم (…) وإيجاد دخل مناسب للأسر المعوزة لتصبح منتجة بدلا من ان تكون مستهلكة.

"الكشف المبكر عن سرطان الثدي يزيد نسبة الشفاء بنسبة 90%، فلا تقلقي لاتخافي، ابعدي الوصمة المجتمعية عن تفكيرك، فانت لست مجرد رقم ،انت سندنا انت استقرارنا انت الأمان لنا، اوعدينا تفحصي" بهذه الكلمات التشجيعية، دعت الأميرة غيداء طلال جميع النساء العربيات في الحملة التوعوية الموحدة العربية الخامسة حول سرطان الثدي التي تحت شعار "وراء كل رقم حياة".

يشار الى ان السجل الوطني للسرطان رصد 8152 حالة، يشكل الأردنيون منها 5999 حالة وبنسبة 73.6 % من جميع أنواع السرطانات، تشكل الإناث منها 3184 .

وبحسب التقرير، أعلنت نتائجه العام الماضي، فقد تصدرت سرطانات الثدي قائمة السرطانات الخمس الاكثر شيوعا بين الاردنيين للجنسين حيث احتل سرطان الثدي المرتبة الأولى بعدد 1279 حالة، تلاها سرطانات القولون والمستقيم بعدد 641 حالة ثم سرطان الرئة 448 حالة، و419 حالة غدد ليمفاوية (هودجكن ولا هودجكن) ثم سرطان المثانة 269 حالة.