مصابون بنقص المناعة السياسية

هذا التطرف الفكري والسلوكي أو الإرهاب باسم الإسلام، لن ينتهي إلا بعدما يبلغ مداه بالتأديب الشامل للمسلمين والإسلاميين، بحيث يعترفون في النهاية ويقبلون حرية التعبير، وحرية المعتقد، والمساواة بين المرأة والرجل، وحقوق الإنسان كافة. فالزنبرك الإسلامي مشدود إلى الآخر، وسيأخذ وقتاً طويلاً بانتظار تنظيف التاريخ والعقول مما علق بها، لينفرج بعد ذلك، مثله في ذلك مثل الإرهاب باسم المسيحية في أوروبا الذي احتاج إلى أكثر من قرنين من المذابح المتبادلة بين البروتستنات والكاثوليك لعقد مؤتمر وستفاليا العام 1648م لوضع بداية لنهايته كما نراها الآن. لكن لم يمض على الإرهاب باسم الإسلام سوى عقدين أو ثلاثة. وكما يبدو، فلا أحد أو جماعة أو حزبا أو شعبا أو دولة يتعلم من أخطاء الآخرين، فيكررها بدلاً من اختصار الطريق، أو حرق المراحل كما فعلت أميركا وكوريا الجنوبية واليابان... في نهضتها الصناعية مقارنة بأوروبا.اضافة اعلان
لكن الإرهاب باسم المسيحية في ذلك الزمان لم يكن يُعرف عنه أو يُسمع به أو يكتوي بناره أحد خارج أوروبا. لم تكن في ذلك الزمان صحف يومية أو إذاعات أو قنوات فضائية أو أقمار صناعية أو إنترنت أو تلفون خلوي، تغطي الكرة الأرضية وتجعل إصابة طفل بالكورونا خبراً مثيراً، أو منظمة مثل "العفو الدولية" أو "هيومن رايتس ووتش" تشجب وتستنكر، أو مخابرات أو دولة تدخل على الخط.
لو كان المسلمون آنذاك يعلمون عن المذابح الجارية في أوروبا، لاتهموا المسيحيين بالإرهاب، ولتدخلوا على نحو ما كما يفعل الغرب وبقية الناس في العالم بالإسلام والمسلمين الآن.
وعليه، لا طائل من تبرم المسلمين والإسلاميين من التعميم، بنسبة الإرهاب الجاري في بلدانهم إلى الإسلام وإلى المسلمين، بحجة أن حفنة من المسلمين أو واحداً أو اثنين منهم في المليون تقوم به، فهي نسبة تكفي لملء العالم بالرعب لأن قلة -عادة- من البشر تقوم به.
إن التعميم طبيعة بشرية لا توجد قوة قادرة على منعه أو حصره في الفاعل أو الفاعلين فقط؛ فأنت إذا تعرضت لخداع من شخص ايطالي أو تركي... ستعمم الخداع على جميع الطليان والأتراك، حتى وإن كنت تحمل دكتوراة في علم النفس أو علم الاجتماع.
لا يريد المسلمون والإسلاميون أن يدركوا أو أن يعترفوا بأن الحضارة العالمية السائدة اليوم في العالم هي حضارة عالمية مشتركة، وأنهم شركاء في صنعها بتأثيرهم في النهضة الأوروبية، ومن ثم فإن لهم أسهماً فيها لهم الحق في قطف ثمارها.
لقد أخذت الحضارة العربية الإسلامية في العصور الوسطى دورها في التاريخ؛ فقد كانت هي الحضارة العالمية السائدة في العصور الوسطى وبخاصة في أوروبا آنذاك. وربما كان كثير من فكر ومؤلفات المفكرين والعلماء والأدباء الأوروبيين مستمداً منها. ولكن، لما لم يكن في تلك الأيام حقوق وقوانين ملكية فكرية، فقد أنكر هؤلاء المصادر العربية الإسلامية التي نقلوا منها.
إن الإرهابيين باسم الإسلام والمسلمين والإسلاميين، يرفضون الحضارة العالمية الجديدة، مع أنهم مستغرقون فيها مادياً -تقنياً واستهلاكياً- حتى العظم: في البيت والمدرسة والجامعة والدكان والسوق و"المول" والشارع والدولة. وإن الإشكال أو الالتباس في إدراكهم ذلك ناجم عن دبلجة هذه الحضارة باللغة العربية، فيعتقدون أنهم يعيشون في حضارة عربية إسلامية تنافسها أو تحاصرها الحضارة الغربية الكافرة، مع أنه لا توجد حرب غربية ضد الإسلام؛ فحال الإسلام والمسلمين في الغرب أفضل من حالهم في بلاد الإسلام والمسلمين. ومع هذا، يدعي الإرهابيون باسم الإسلام والإسلاميون والمسلمون بالعكس، فينبرون لإيقاف عجلة التاريخ بالتكفير والدماء، ويتصرفون وكأنهم مصابون بمرض نقص المناعة السياسية المكتسب؛ أعراضه سيطرة النقل على العقل، والاستغراق أو الانغماس في الاستهلاك من دون الإنتاج والإبداع والابتكار.