مصدر مطلع

ارتفع في الآونة الاخيرة وبشكل ملحوظ اللجوء الى تصريحات رسمية وحكومية لا تحمل أسماء من صرح بها، والاستعاضة عن الاسم الصريح لصاحب التصريح بـ"مصدر مطلع" أو "مأذون" أو "مصدر حكومي".اضافة اعلان
أتفهم أن يخرج علينا مصدر مطلع ليتحدث عن شأن أمني عميق، حيث أعرف أن ذاك المصدر لا يريد التصريح باسمه لاعتبارات أمنية، أما أن تتوالى علينا تصريحات مصادر مطلعة للحديث عن شؤون محلية خالصة تهم المواطن، وغير حساسة فهو ما يصعب فهمه. فمن غير المعقول أن يخرج علينا مصدر حكومي للحديث عن موقف الأردن من منطقة "نيوم" التي تعتزم السعودية إنشاءها، كما أنه من غير المنطقي أن يخرج علينا مصدر مطلع ليتحدث عن المصالحة بين فتح وحماس، كما من غير المنطق أن يخرج مصدر مطلع ليتحدث عما ستفعله الحكومة بالنسبة للخبز والأسعار وخلاف ذلك.
المتتبع لما صدر خلال أيام ماضية يمكنه تسجيل أخبار مختلفة صدرت باسم "مصدر مطلع"، وهذا بحد ذاته وفق اعتقادي هروب من تحمل المسؤولية، أو عدم وضوح للرؤية الحكومية بالنسبة لقصايا إقليمية أو دولية، ولذا نذهب للتصريح باسم مصادر مطلعة.
الأصل أن يكون لنا موقف واضح وجلي وغير متردد من كل قضية تحصل سواء أكانت داخلية أم خارجية، والأصل أن لا نهرب من الإدلاء بدلونا في كل تلك القضايا، ويكون موقفنا مبنيا على مدى تقاطع هذا الموضوع أو ذاك مع مصالح الأردن العليا أولا، وبعد ذلك المصالح العربية والقومية والوطنية، والأصل أن يكون لنا موقف واضح إن لمسنا أن هذا الموضوع لا يخدم مصالحنا أو يبتعد عن قناعاتنا أو أن التنسيق له تم خلف ظهورنا.
لست ضد أن يكون لنا تكتيك معين ومنفذ في بعض المفاصل من خلال الذهاب للتصريح بلسان "مصدر مطلع"، وخاصة إن كان الأمر يتعلق بسياسة خارجية حادة فيها شركاء لنا في هذا الطرف أو ذاك، ولكن أن يتم تعميم هذا النهج على قضايانا الداخلية المختلفة التي تتطلب شفافية، وأن يصبح التصريح بلسان المصدر المطلع في كل شاردة وواردة حتى بتنا نتخوف أن تصبح النشرة الجوية في الشتاء الواقف على الأبواب بلسان مصدر مطلع، فإن ذاك لا ينفع ويدلل على سلبيات كثيرة وحسابات معقدة لا يجوز للدولة والحكومة أن تعتمدها نهج عمل وتستمر فيها.
اعتقد أننا بتنا بحاجة لوقف استخدام مصدرنا المطلع للتصريح في كل القضايا، وأن تكون الحكومة مهما كانت الظروف أكثر شفافية ووضوحا، وأن تخرج للناس لتقول إن كانت تريد رفع الخبز مثلا أم لا؟!، كما عليها وضع العامة بصورة كل المشاكل الاقتصادية التي نعاني منها، وأن تجيب وبشفافية كبيرة عن الضغوطات التي تتعرض لها سواء من صندوق النقد الدولي مثلا، أو حتى من دول اقليمية ومحورية ودولية، كما عليها أن تكون أكثر وضوحا في التعامل مع الملفات المختلفة وخاصة الملفات التي يتم طبخها الآن والتي يكثر الكلام عنها.
الشفافية رهاننا في تخطّي أي مرحلة سواء كانت صعبة أم سهلة، ولهذا فإن الأمر بحاجة لموقف شفاف وتصريح جريء، واعتقد أن وزراء كثرا في الحكومة لديهم القدرة والمكنة لأن يصرحوا بأسمائهم دون مواربة في القضايا التي تتعلق بأمور وزراتهم وأن يضعوا كل النقاط على الحروف وبوضوح، أما أن نستمر في اعتماد مصدرنا الرسمي في كل القضايا فإن ذاك أسلوب سيضعنا لاحقا أمام مشكلة عدم الشفافية والوضوح، وخاصة إن صدف وتناقضت تصريحات مصدرنا الرسمي مع تصريحات أخرى.
وفي السياق، فإن من باب المصلحة العليا أنه بات يتوجب أن نعيد قراءة المشهد الإقليمي من كافة الاتجاهات، وأن لا نتسرع في التعامل مع المستجدات التي تطرأ، سيما وأن التحالفات السابقة بدأت تختلف حاليا، وبات عدو الأمس لبعض الدول حليف اليوم.