مصر: المصالحة والحوار

جميع العيون تتجه اليوم إلى مصر وهي تشق طريقها لتجاوز مخاض ثورتها العسير. يجتمع عليها معاً غياب حياة سياسية، ورثته عن نظام فاسد دام ما يزيد على أربعين عاماً؛ وتشرذم لقوى المعارضة الوطنية ليس من السهل التغلب عليه وبناء توافق وطني جامع في ظل غياب التوافق الذي لا وجود له حتى داخل اللون السياسي الواحد؛ قوميا كان أم يساريا أم ليبراليا.اضافة اعلان
ليس مفاجئاً في ضوء ذلك أن يُحدث قرار الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي هذا الانقسام الكبير في الشارع المصري. وهو انقسام صحي، طالما ظل في إطار الاختلاف في الرأي، وجرت معارضته بالاحتجاج السلمي. لكن حدة الخطاب الذي تتحدث به المعارضة، ودخول القضاء الذي ينتمي إلى نظام حسني مبارك على خط المواجهة، ينذران بتجاوز الخلاف الخطوط الحمراء، ما قد يؤدي إلى اندلاع مواجهات غير سلمية، تأخذ مصر إلى طريق لا تريدها.
أكثر المؤشرات المقلقة في مواقف المعارضة من الإعلان الدستوري ما يرشح من توجهات مؤسفة لشيطنة حركة الإخوان المسلمين في مصر، وما تصدره من اتهامات غير مسبوقة تجاه الحركة وحزب الحرية والعدالة؛ مرة  بالسعي إلى اختطاف الثورة، ومرة بـ"أخونة النظام"، وأخرى بأسلمة الدولة؛ وصولاً إلى الذهاب إلى تخوين الحركة والحزب باتهامهما مباشرة بالارتهان للإرادة الخارجية.
الإعلان الدستوري أقال النائب العام الذي عينه مبارك. وكانت المعارضة قد سبقت الإخوان إلى المطالبة بإقالته بعد التساهل في الحكم على مبارك ووزير الداخلية السابق حبيب العادلي، وتبرئة جميع رجال الشرطة المتهمين بقتل الثوار. كما حصن الإعلان مجلس الشورى من الحل، وهو مؤسسة انتخبها الشعب فلا ضير من تحصينها. أما السلطة القضائية؛ ومنها النائب العام المقال، فقد ورثها المصريون من عهد مبارك، وهي التي وافقت على قيام المجلس العسكري بحل مجلس الشعب الذي اعترف الشارع بكافة أطيافه بانتخابه في انتخابات نزيهة، شاركت فيها جميع القوى السياسة. وأكثر من ذلك، فقد سكتت هذه السلطة عن كافة الإعلانات الدستورية التي قررها المجلس العسكري رغم معارضة الجميع لها.
بقي من الإعلان الدستوري مما يمكن الاختلاف عليه تحصين قرارات الرئيس فقط. وبدلاً من حصر المعارضة لاختلافها مع الإعلان الدستوري بهذه النقطة، شنت هجوماً كاسحاً على كل ما تضمنه الإعلان الدستوري، دونما أي تمييز. ما يشي بعدم موضوعية معارضتها، ويقطع الطريق على أي تفاهمات مع الرئاسة بعد أن بدت مطالبتها بإلغاء الإعلان الدستوري كاملاً كما لو أنها مطلب إذعان، يدفع الرئاسة إلى التشبث بقراراتها إلى أبعد الحدود.
دعونا نتذكر أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، والذي نكن له كل الاحترام، قد قام بما قام به الرئيس مرسي عندما حصن قرارات مجلس قيادة الثورة في دستور العام 1956، مع أن عبدالناصر لم يكن منتخباً من قبل الشعب، بينما مرسي رئيس منتخب، وأكثر من ذلك ينتمي إلى حزب قاد معارضة مشهودة ضد العهد البائد، وصادمه في الشارع، وقدم تضحيات كبيرة في نضاله لأجل الإصلاح والتغيير.
لا نريد الوقوف إلى جانب الإعلان الدستوري بصورة كاملة. لكننا نريد من المعارضة أن لا تقطع الطريق أمام الحوار، حتى لا يُغلق أفق الحل، ويذهب الشارع في ظل التجييش والتجييش المضاد. نريد أن تبقى نافذة المصالحة مفتوحة أمام الجميع، ترعاها من الداخل مؤسسة محترمة مثل الأزهر الشريف، ومن الخارج أصدقاء مصر الذين يحبونها ويريدون لها كل الخير، كي تصبح الطريق ممهدة ليس فقط لتجاوز أزمة الإعلان الدستوري، وإنما أيضا للمساهمة في بناء توافق وطني حول الدستور أيضا.

[email protected]