مصر اليوم.. الحيرة سيدة المشهد

"حرية نعم.. لكن عدالة لأ"؛ جملة عابرة يستقبلك بها موظف الجوازات المصري في مطار القاهرة وأنت تجامله بأنك تدخل مصرا جديدة، مصر الحرية. هي جملة عابرة للموظف، تكتشف بعد ساعات وأيام قليلة من دخولك بين الناس في القاهرة، أنها تعكس حالة الحيرة والانقسام الواضحين اللذين يلفان الشعب المصري، بعد أن غيرت ثورة 25 يناير وجه بلاده، وحفرت عميقا في المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي. اضافة اعلان
انقسام سياسي وفكري عميق وواضح، رسخته معركة الدستور المصري الجديد، والمعركة المشتعلة بين الإخوان المسلمين وبين "ترويكا" المعارضة التي وحدها خلاف الدستور في جبهة الإنقاذ، فيما تستعر عملية الفرز والتحشيد بين الإخوان والتيار السلفي وبين باقي المكونات السياسية والوطنية، على أكثر من جبهة وقطاع، وسط شيوع خطاب إقصائي حدي بين الطرفين لا تخطئه عين.
أما الحيرة التي تفاقم حدة الانقسام بين النخب السياسية والفكرية والإعلامية، وتجر إلى مساحاتها القطاعات الشعبية وتصهرها في جدل النخب ومعاركها "الوجودية" سياسيا، فيفاقهما الوضع الاقتصادي المتردي، بل والأزمة المالية والاقتصادية القاسية التي يجد الاقتصاد المصري فيها نفسه بعد نحو عامين من انتصار الثورة.
المواطن المصري العادي، والذي يحاول أن ينأى بنفسه عن تقسيمات السياسيين ومعاركهم السياسية والفكرية والدستورية، يجد نفسه اليوم في وسط مشهد الانقسام والحيرة، وهو يعيش التراجع الاقتصادي، وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية والمعيشية، وتراجع السياحة التي شكلت دائما "نفط" مصر، وثالثة الأثافي هروب استثمارات وتعثر قدوم جديدة. فيما يلوح في الأفق شبح يقلق جميع المصريين، رسميين وشعبيين، معارضة وحكما، وهو وضع وقوة الجنيه المصري، ونذر انهياره على وقع الأزمة الاقتصادية المستفحلة، وهو الذي قد لا ينقذه الاتفاق المرتقب مع صندوق النقد الدولي، وإجراءات الحكومة المصرية بحلتها الجديدة بعد التعديل الأخير عليها.
مركّب الأزمة السياسية والاقتصادية المستفحلة في مصر، يترك آثاره جلية اليوم على المواطن المصري العادي الذي يجد نفسه في حالة من الحيرة وعدم اليقين. وهي حالة لا يبدد وطأة الشعور بها، لدى النخب على الأقل، سوى الانهماك في الصراع السياسي الدائر بين الإسلاميين، وتحديدا الإخوان المسلمين، وبين باقي التيارات السياسية المعارضة. وقد حشد كل طرف لمعاركه المتنوعة والمتشعبة، بحيث تشمل معارك فرعية في القطاعات والمجالات المختلفة؛ على صعيد الإعلام والقضاء والنقابات والمؤسسات المدنية والرسمية، وتاليا في الانتخابات التشريعية المقبلة وغيرها.
في المؤتمر العام لاتحاد الصحفيين العرب، والذي يختتم اليوم الخميس في القاهرة، تتجلى بوضوح فاقع حالة الانقسام المصرية، لتعكس لا خلاف الصحفيين المصريين، بل المشهد الكامل للصراع والانقسام السياسيين اللذين وجدت فيهما نفسها الحالة المصرية المعارضة والمدنية بعد سقوط نظام حسني مبارك على وقع صمود وضربات شباب ميدان التحرير، وهو الميدان الذي يعيش اليوم، أيضا، حالة الانقسام وتجلياتها.
فنقابة الصحفيين العربية الوحيدة التي جاءت لاجتماع الاتحاد منقسمة على نفسها، بل ونقلت معركتها الداخلية "الاستراتيجية" إلى أروقة المؤتمر، كانت نقابة الصحفيين المصريين التي يقودها نقيب محسوب على الإخوان سياسيا، فيما أغلبية أعضاء مجلس نقابته من المعارضة اليسارية والليبرالية، والتي ترى أن معركتها الأساس هي وقف زحف الإخوان للسيطرة على مفاصل الإعلام المصري، تماما كما هي معركتهم على جبهة القضاء المصري، بحسب ما يصرح علنا معارضو الإخوان.
الأغلبية هنا تتفق على أن المرحلة الانتقالية ما بعد ثورة 25 يناير وسقوط مبارك ستكون صعبة على الجميع، وأن لا عودة عن الإنجازات السياسية والمجتمعية التي تحققت عبر الثورة. لكن الخلاف بين المشروعين السياسيين والأيديولوجيين اللذين يتنازعان اليوم المشهد المصري، يتجه، وإن بصورة بطيئة، إلى نقطة حسم مقبلة كما يبدو، وربما أكثر إلى نقطة صدام!

[email protected]