مصفوفة الفقر المرعبة

لا يوجد لدينا أرقام دقيقة حول أعداد أرباب الأسر الذين عانوا من الديون بمختلف مصادرها، ودخلوا السجون نتيجة ظروفهم الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة أو انهم ما يزالون مهددين بالمحاكم سواء ديون البنوك التي لا تحتمل التأجيل أو ديون الشركات والتجار أو ديون الافراد، يكفي أن نتذكر مشكلة الغارمات التي تفاقمت خلال العام الماضي، وقيل الكثير عن ظروف عشرات الآلاف من النساء اللواتي دفعتهن ظروفهن القاسية إلى استدانة قروض صغيرة اوصلتهن في نهاية المطاف إلى السجون، فما بالنا بالرجال الذين يشكلون الاغلبية المطلقة من ارباب الأسر في المجتمع الأردني. الأسبوع الماضي نشر الزميل حابس العدوان تقريرا في "الغد" جاء فيه ان عدد الحالات الجديدة التي جرى تخصيص معونات متكررة لها من صندوق المعونة الوطنية في لواء دير علا بالاغوار الوسطى منذ 2015 زاد على 700 حالة، معظمها بسبب سجن رب العائلة. هذا الارتفاع يأتي تزامنا مع التراجع الكبير الذي شهده القطاع الزراعي في وادي الأردن جعل صغار المزارعين هناك الاكثر معاناة، فيما ارتفعت اعداد الذين دخلوا السجون نتيجة عدم القدرة على الوفاء بديونهم. حسب الارقام الرسمية "تجاوز عدد المزارعين المطلوبين قضائيا على خلفية ديون 20 الف مزارع، وما يزيد على 6 الاف قضية لدى دائرة الاجراء، وما يزال المئات منهم خلف القضبان وآخرون تشردوا خوفا من القبض عليهم" فيما ذهبت دراسة أعدتها الاتحادات والنقابات والجمعيات الزراعية إلى أن أكثر من 40 % من المزارعين مطلوبون للتنفيذ القضائي"، وبينت الدراسة أن الكثير من المزارعين تركوا أراضيهم بلا زراعة، بموازاة تسريح العديد من الموظفين في القطاعات التي لها صلة بالمزارعين مثل مصانع البلاستيك والعبوات الزراعية. وحسب رئيس اتحاد مزارعي الاغوار عدنان خدام "هناك 20 ألف بيت بلاستيكي ضمن زراعات التعاقدات التي تصدر إلى مختلف دول أوروبا الشرقية مهددة بالتوقف، بسبب توقف وتباطؤ شحن الخضار والفواكه بالترانزيت إلى دول أوروبا الشرقية وإغلاق المنافذ الحدودية السورية". نحن لسنا فرحين باتساع مظلة صندوق المعونة الوطنية حيث تشير الارقام الرسمية انها باتت تغطي نحو 100 ألف أسرة أردنية في نهاية العام 2018 اي نحو 8 % من السكان؛ وهم عادة من الأسر الأشد فقرا ومن الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع مثل الارامل والايتام، ولا يشكلون إلا جزءا من الفقراء. الضغط الهائل على الفقراء الرجال والشباب، لا يذهب بهم إلى السجون وحسب، بل يتجاوز ذلك الى مصفوفة مرعبة من التدهور في مجالات متعددة، في المجتمعات المحلية يشكل الاضطهاد الاقتصادي المتمثل في غياب العدالة وتواضع الفرص وانتشار البطالة وظلم الأجور وتحديدا ما يواجه الرجال في مجتمعات ذكورية اقسى من اي شكل من اشكال الظلم الاخرى. حسب التعداد السكاني الاخير (2015) كان احد المؤشرات الصادمة التي لم تأخذ حقها من الاهتمام هو حجم التركيز السكاني في العاصمة الذي اقترب من نصف سكان المملكة، لم تعد عشرات المدن الأردنية الصغيرة ومئات البلدات والقرى الممتدة على طول البلاد وعرضها مولدة للحياة في ابسط ملامحها، لا فرص ولا مستقبل ولا بنى تحتية حقيقية ولا طرق آمنة في الوصول اليها، ما يجعل الافق ضيقا اكثر، والخوف من المستقبل حالة عامة وسط الشباب الذي يجد نفسه بين مثلث الهجرة او المخدارت أو الاحتجاج بالتطرف أو العنف، علينا اليوم ان نفكر جديا بتغيير العدة والعتاد في تنمية المجتمعات المحلية في المحافظات وفي وادي الأردن فالاوضاع اعقد مما نتصور.اضافة اعلان