مصير الاستقرار الهش

مر مفهوم الاستقرار في الشرق الاوسط بتحولات عديدة حتى استقر على شكل هش من حالة الوضع القائم، يبدو اليوم ان الحرص على توفر الاستقرار في الشرق الأوسط تحول مع الزمن إلى أحد مصادر التهديد، وبفعل التراكم تحول مفهوم الاستقرار الى احد أنماط التضليل الاستراتيجي حيث لا يخدم عمليا سوى مشروع واحد هو مشروع تصفية الصراع بدون دفع ثمن الصراع وكلفة التصفية ذاتها، وهو ما تفعله إسرائيل اليوم وما تؤول اليه نتائج الحماسة الأميركية الأخيرة التي ما تزال عاجزة أمام الرفض الإسرائيلي قبل الفلسطيني، وعمليا يعني هذا التحول نهاية الاستقرار الهش . على مدى نحو قرن مضى بقي الشرق الاوسط يعرف بالصراعات وعدم الاستقرار اكثر من النفط او العلاقات التجارية، وعلى الرغم من ان محور حالة غياب الاستقرار قد دار في معظم الوقت حول محور القضية الفلسطينية فقد ذهبت الاحداث في آخر عقدين إلى عوامل جديدة مثل الصراع على الأدوار القيادية والنفوذ في المنطقة، والصراعات الأهلية والطائفية، ومع ان هذا الجزء من العالم قلب رأسا على عقب اكثر من مرة ولاكثر من سبب فأن مصدر اللااستقرار التاريخي يبقى هو الثابت وبقية المصادر متحولة. شكلت موجة الحماسة الأميركية الأخيرة لحل الصراع في الشرق الأوسط، حالة من التقاط الأنفاس لبعض الأنظمة العربية المتعبة من خيبات الحلفاء ومن أزماتها الداخلية وعقدها المزمنة، واستفادت من حالة المجتمعات العربية التي أنهكتها الرهانات ودخلت منذ عقدين موجة الانفعال الحضاري القاسي والعنيف، ما يعني بكل بساطة ان انكسار فكرة إعادة بعض التوازن لمنهج التسوية في الشرق الأوسط يعني ان خيار مراجعة فكرة الاستقرار سيكون خيارا مجتمعيا حضاريا هذه المرة وليس مجرد خيار ديني متطرف. تكتشف المجتمعات العربية والإسلامية كل يوم حجم الفوات والتأخر وخسارة المستقبل بفعل احتلال حقل السياسة لكل حقول الحياة الأخرى، ما خلق حالة من الانشغال المرضي عبر ستة عقود تم خلالها لي عنق الحياة في هذا الجزء من العالم نحو الصراع الدائم المغطى بقشرة من الاستقرار الهش، الأمر الذي وفر بيئة أخرى ازدهر فيها التحايل والفساد وهدر الإمكانيات وتشويه الوعي والانحطاط. لم تشهد المنطقة منذ العام 1967 حالة من الرهانات السياسية الغامضة كما نشهده هذه الأيام، فاحتمالات الحرب والسلام مطلقة، ويتوفر لكل منها الحجة والنصيب بنفس القدر، فالحرب الشاملة التي قد نراها ابعد ما تكون هي في نفس الوقت قريبة جداً وفي الحقيقة لم تتوقف؛ وكذلك السلام ! فقد بات اللاعبون الإقليميون فاقدين للبوصلة والدليل أكثر من أي وقت مضى منذ قرابة أربعة عقود لم يتوقف خلالها جدل المبادرات والمحاججات السياسية، وان استبدلت أحيانا الكلمات بالطلقات . الفراغ السياسي الراهن يعني عدم قدرة الأطراف الإقليمية والدولية وعدم نضوج إرادتها في إجراء جراحات عاجلة وجذرية لمشاكل الإقليم وتحمل آلامها، بعد ان بات من الواضح أين تكمن جذور كل هذه التعقيدات، الرهانات المتباعدة تجعل التفاعلات السياسية الحرجة محكومة بالغموض والأسرار والتفاهمات الخفية والقنوات السرية، وهذا النمط من التفاعلات، لا يقود إلى انفراج حقيقي بل يعتم الأفق السياسي أكثر . عودتنا خبرات المنطقة منذ عدة عقود أن المفاجآت تحملها المجتمعات أكثر من النظم السياسية، وفي كل مرة تأتي التعبيرات أكثر تعقيدا، وبما لا يستطاع تحمله، فمرحلة التقاط الأنفاس مع الوعد الأميركي قاربت على الأفول والزوال بينما تفكر رؤوس كثيرة بجدوى فكرة الاستقرار في المنطقة من أساسها.اضافة اعلان