مطالب المعلمين في الظرف الصعب

لا يختلف اثنان في الأردن على رسالة المعلم التي تصل إلى درجة القدسية، وأن المعلمين هم ورثة الأنبياء ومصانع العلماء وبناة العقول وحضارات الأمم والشعوب، ولا يحتاج المعلم ورسالته إلى المدح والتهليل والتبجيل لأن جميع المواطنين بما فيهم المعلمون هم نتاج العملية التربوية التي يعتبر فيها المعلم محور نجاحها وتميزها.اضافة اعلان
العملية التربوية في الأردن منذ تأسيس الإمارة ثم المملكة الأردنية الهاشمية كان المعلم محورها وكان موضع عناية ورعاية الدولة الأردنية من كل مكوناتها وقياداتها، وكان التعليم في الأردن نموذجا تسعى كل الدول العربية للحاق بنموذجيته وكانت بعثات وإعارات المعلمين الأردنيين منتشرة في معظم دول العالم العربي والإسلامي من المغرب إلى الكويت، وقد ساهم المعلمون الأردنيون في النهضة التعليمية والحضارية في الدول الشقيقة والصديقة وأصبح الأردن مقصدا للتعلم والتدريب على مختلف التخصصات لكل أبناء العالم العربي، وأذكر هنا أنه في أحد اللقاءات مع مسؤول خليجي كبير قال: "نحن هنا نقول لأبنائنا من يريد العلم منكم فسنرسله إلى الأردن ومن يريد غير ذلك نرسله إلى أي دولة يختارها".
كل هذه الإنجازات العظيمة للمعلمين الأردنيين كانت قبل أن يكون هناك نقابة للمعلمين الأردنيين التي تأسست العام 2011 في ظل ظروف وجدل كبير بين مؤيد ومعارض لتأسيس هذه النقابة التي أكدت إبان تأسيسها وأنظمتها الداخلية على أن أولى أولوياتها النهوض بالعملية التربوية والارتقاء أكثر بمنتجات التربية والتعليم الأردنية وبنفس الوقت الاهتمام بتطوير الاداء المهني للمعلمين والمحافظة على حقوقهم ومكتسباتهم وكرامة عيشهم وهي غايات عظيمة وموضع اهتمامات فائقة من مختلف مؤسسات الدولة والحكومة ومن فوق ذلك كله تحظى بعناية واهتمام ومتابعة مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني وجلالة الملكة رانيا العبدالله.
مطالب نقابة المعلمين وإصرارها بنوع من التحدي للحكومة على رفع علاوة مالية للمعلمين تكلف الدولة الأردنية حوالي 120 مليون دينار سنويا على الموازنة المنهكة أصلا أمام التحديات السياسية والاقتصادية والضغوطات الدولية على الأردن لتمرير صفقات سياسية على رأسها صفقة القرن، هذا الموقف من نقابة المعلمين ليس في صالح الوطن ولا يعكس جوهر وحقيقة الموقف الوطني المعهود دائما للنقابة وللمعلم الأردني التي عهدها المواطن وكذلك يتناقض مع جوهر وفلسفة العملية التربوية برمتها في الأردن.
إن التهديد بالإضراب العام والإضراب المفتوح والتوقف عن العمل من قبل المعلمين موقف غير مسؤول وسابقة خطيرة في مؤسسات القطاع العام في الأردن التي يجب ألا تكون خاضعة لسلوكيات الابتزاز لتحقيق مكاسب مالية حيث الإمكانيات الحالية في الدولة لا تسمح بها لأسباب يطول شرحها، وهذا أمر يدركه كل المواطنين بما في ذلك النقابة المحترمة وإخواننا وأخواتنا المعلمون والمعلمات.
إن مثل هذا التعنت من قبل نقابة المعلمين سيخلف تداعيات وآثارا سلبية كبيرة على العملية التربوية برمتها وعلى سمعة المعلمين الأردنيين في الخارج والأخطر من ذلك ربما ستكون نموذجا يقتدى من قبل مؤسسات نقابية اخرى لسلوكيات ومطالب عادلة ولكنها تأتي في توقيتات حرجة للحكومة والدولة والوطن الذي علمنا المعلمون في مدارسنا كيف نحافظ عليه ونعض على مصالحه العامة وقيادته بالنواجذ، ولا يشك اثنان بالأردن بروح الوطنية والانتماء الوطني لنقيب ومجلس نقابة المعلمين وكل المعلمين الأكارم في هذا الوطن، ولكن عليهم تقبل الرأي الآخر وأن ينصاع جميع الأطراف لمصلحة الوطن التي يجب أن تكون فوق كل الاعتبارات الضيقة.
حمى الله الأردن وأبناءه ومؤسساته ومعلميه وقيادته من كل سوء ومن كل شامت يتربص به سوءا.