مطب

بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية يفقد مليون وربع مليون إنسان حياتهم عالميا نتيجة حوادث السير، تسعون بالمائة منهم ينتسبون لدول نامية، فيما ثلث هذا الرقم من الوفيات تستحوذ عليه حوادث السرعة الزائدة ضمن علاقة طردية تجمع السرعة والموت، ويضاف لما سبق فاتورة بكلفة اجمالية تقارب خمسة بالمائة كخسارة من الناتج الإجمالي المحلي للدول.اضافة اعلان
وغير بعيدين عما تقدم، نصنف في الأردن كثالث دولة بالعالم في معدل حوادث السيارات ضمن متسلسلة زمنية تنتهي بوفاة كل خمسين دقيقة نتيجة حادث مروري وبما يقارب المليون دينار خسائر يومية في الاقتصاد الأردني لذات السبب.
يتجاوز معدل المركبات المرخصة سنويا في الأردن مليونا ونصف مليون مركبة بحسب رصد لبيانات إدارة السير في مديرية الأمن العام الصادرة في 2018 بمعدل مركبة واحدة لكل ستة اشخاص بحسب تقديرات ذات العام، وتمتلك دول العالم النامية اقل من خمسين بالمائة من السيارات ومع ذلك تستأثر هذه الدول بتسعين بالمائة من الحوادث .
أرقام تعني أن الفشل يتعلق بالتخطيط وحالة الطرق وبناء الوعي، فعلى سبيل المثال يشكل الموت على صهوة الحديد الجامح النسبة الأعلى لوفيات فئة المراهقين متفوقا على أي سبب آخر، فيما يدفع المشاة وراكبو الدراجات الهوائية والنارية نصف قيمة فاتورة الوفيات ضمن الاحصاء العالمي حيث لا يضع المخطط أي قيمة لوجود هذه الفئة في حسابه اثناء التصميم والبناء، إنهم يخططون لمن يركب السيارة فقط .
والكارثة تكمن بإصرار المسؤولين عن ملف الموت المجاني في الطرقات على استمرار دفع الناس لاقتناء المزيد من الأكفان الحديدية المتمثلة بالسيارات بدلا من توجيههم للاستغناء عنها ضمن رؤية شاملة، فالرؤية القاصرة تتغافل عن حقيقة أن المدن الأردنية الكبرى الرئيسة تحولت الى معسكرات عمل بلا مساحات انسانية، فيمكن وصف مشهد مدننا بكل بؤس بصناديق اسمنتية وشرايين اسفلتية متجلطة بمليون ونصف مليون مركبة، مشهد محزن لمدن تنتحر بصمت وهذه كارثة عظيمة.
نجد في مراجعة تجارب الدول التي قزمت ارقام حوادث المركبات مفهوما أوضح للرؤية الشاملة حيث إنها بدأت من حيث نكرر الخطأ، إذ جعلت الأولوية للمشاة وراكبي الدراجات على السواء، فقامت بمنحهم حارات تنقل مستقلة بعيدا عن تنمر المركبات، هذه الخطوط الخاصة للتنقل أعطت الافراد سلاسة بالحركة توجت بمنح المجتمع شبكة نقل عام تناسب هذا الانتقال نحو حماية الإنسان أمام المركبة، وبخط مواز لحركة السيارات تزداد صعوبة مقارنة بمرونة وسلاسة النشاط البشري بالتنقل بعيدا عن مركبته، هنا بات التنقل بالسيارة ترفا نتيجة توفر كل اسباب استغناء الفرد بالمدينة عنها، وهنا كان ارتفاع اسعار المحروقات واحدا من اساليب الضغط الحكومي لنقل المواطن الى القطاع العام المجهز مسبقا وعليه كان المجتمع يدرك قيمة الارتفاع ولا يصنفه كعقوبة وإنما كقرار في الصالح العام.
التركيز المستمر في قضية حوادث السير على إنفاذ القانون وتغليظ العقوبات يجعل المواطن يجد في القانون وسيلة انتقام وهذا ما يفسر السلوك العام بلبس حزام الأمان فقط امام الدورية أو تهدئة السرعة قبل الرادار وزيادة السرعة بعده.
تعرف الرؤية المتكاملة بالنهج المأمون بحيث تضع كل المعطيات معا من قضايا البنية التحتية الى توفير البيئة الملائمة الى احترام المشاة وتقديم الجانب الانساني والانتهاء بالردع القانوني خطوات متسلسلة كفيلة بالتخلص من واحدة من معضلات الأردن الكبرى في السنوات الأخيرة.
علينا أن نعترف أن وضع المطب هو حل مؤقت لحين توفر امكانية الحل الأشمل للأسف تحول المؤقت الى دائم وبات وضع المطب أسلوب حياة.