مظاهرات الذكرى الثانية: "لا أميركا ولا صدام"

    إذا كان العراقيون يصرون منذ سنتين على مساواة الاحتلال الأميركي بالاستبداد الصدّامي، ورفضهما معاً، حسبما يدل الشعار الذي ما فتئوا يرددونه في تظاهراتهم، ومنها التظاهرات التي شهدها العراق في الذكرى الثانية لاحتلال بغداد، "لا أميركا ولا صدام"، فلماذا يصر بعض العرب على استذكار "بطولات" صدام حسين واعتباره الحل الذي يحتاجه العراق للعودة إلى ما يسمونه "الاستقرار"؟!

اضافة اعلان


    العراقيون، أصحاب التجربة، يرون أن حياتهم في ظل الاستبداد القائم على الترهيب والقمع وتكميم الأفواه والمقابر الجماعية وتشويه أجساد المعارضين، هي ذاتها في ظل الاحتلال، الذي جلب الدمار والقتل بالجملة وجعل دماء العراقيين مستباحة وحياتهم غير آمنة.


ولهذا، فإن على العرب الذين يأملون بمساعدة العراقيين وإعادة بلادهم إلى "الاستقرار" حقاً، أن يفكروا بحل آخر غير التباكي على صدام وتمني عودة من يفترضون أنهم أنصاره، ولو على أشلاء العراقيين ودمائهم، حل ينطلق من تلك القاعدة الذهبية: لا أميركا ولا صدام.


     صدام لم يعد خياراً مطروحاً، لكن ترديد اسمه في تظاهرات الرفض إنما يعني رفض الشكل الذي أخذه نظامه في الحكم: الاستبداد باسم القومية تارة، وباسم الإسلام تارة ثانية، وباسم محاربة أميركا تارة ثالثة. وهذا يعني أن المشكلة الكبرى في العراق الآن هي التخلص عملياً من الاحتلال الأميركي، فالنظام السياسي العراقي الجديد، رغم مآخذنا الكثيرة عليه، قد استقر وأصبح في المدى المنظورعلى الأقل حقيقة موضوعية.


     السؤال الآن: هل حقاً أن الخروج الأميركي من العراق ممكن تحت ضربات العمل المسلح غير المنظم؟ وإذا كان ممكناً فأي بديل تطرحه تلك الجماعات المسلحة عن الاحتلال الأميركي ونظام الطوائف الذي أفرزه؟


    الحقيقة الموضوعية هي أن أميركا صاحبة أكبر قوة في العالم، وليس منطقياً الاعتقاد بإمكانية هزيمتها عسكرياً في الظروف الراهنة. كما أننا لا نعتقد أن "نصرالله" يمكن أن يتدخل لصالح جماعات تعيث في الأرض قتلاً لمجرد أنها ترفع شعارات إسلامية أو تعتقد أنها تنفذ أعمالها باسم الله وفي سبيل نصرته. إن الخروج الأميركي من العراق، على طريقة هروب المحتل الذي حققته حركات التحرر الوطني في غير مكان في العالم سابقاً، غير ممكن التحقق إذن بالعمل العسكري، ومن يقول غير هذا فهو إنما يبني قصوراً في الهواء.


ثم حتى لو كان الخروج الأميركي ممكناً بتلك الطريقة، فمن الواضح أن البديل الذي تقدمه الحركات المسلحة هو البديل الاستبدادي الذي يرفضه العراقيون بشعارهم ".. ولا صدام"، لا بل ان من الممكن القول إنه بديل أسوأ، يشبه ما فعلته طالبان في أفغانستان التي أخضعت الناس لمقاييس طول اللحية وطريقة اللباس، ظناً منها أنها تصنع "مجتمع الصحابة"! فهل يمكن القبول بتلك الحركات بديلاً؟


      لا حل منطقياً إلا بالاعتماد على العمل السياسي للتخلص من ثنائية الاحتلال والاستبداد، وإن كنا نعتقد أن التخلص منهما حالياً غير ممكن بالكامل، وإنما يمكن التخلص من هذا الشكل المباشر للاحتلال وتخفيض وجود القوات الأميركية إلى الحد الذي لا يكون وجودها فيه ملموساً ولا مؤثراً على تفاصيل الحياة العراقية، خاصة في بعدها السياسي، كما يمكن بناء نظام سياسي يتمتع بالحد الأدنى من الشكل الديمقراطي، وهو ما يمكن القول إن شيئاً منه تحقق حتى الآن، وإن كان في شكله البدائي والمتخلف.
www.jowriters.org/writers/samer