تعود كلمة أرثوذكس إلى العام 1795 حين أصّلتها مجلة ألمانية ضمن إطار وصفي لطائفة متطرفة يهودية، ولكن المفهوم بات يتطور مبتعداً عن جذوره اليونانية التي تعني (الاعتقاد الصواب) وهو ما يشمل كل طائفة دينية ترى أنها تملك الحقيقة المطلقة.
تقدم القاصة اليهودية (ديبرا فيلدمان) في روايتها التي قدمتها شبكة نتفليكس كرباعية في سلسلة قصة حقيقية لطائفة اليهود الأرثوذكس وتظهر بطلة الرواية في عمق هذا المجتمع الذي يتميز بمعايير تشدد تشمل تحريم الموسيقا وتصنيف المرأة ككائن دوني صوته عورة وغير طاهر لا يمكنه مس الكتاب المقدس وهي مصممة للنكاح فقط، إنه مجتمع بلا شك يطابق تطرف غيره في ديانات أخرى وعلى امتداد جغرافيا العالم.
منذ تغريدة منظمة الصحة العالمية الرسمية والمريبة الموثقة بتاريخ 14 كانون الأول 2020 التي أكدت أن الفيروس لا ينتقل من إنسان لإنسان، تم ارتكاب العديد من الخطايا وأهمها فتح المسرح أمام المتطرفين لبث نظريات تدرجت بين العقاب الإلهي الموجه للبشرية إلى نظريات خروج المسيح، لقد تسبب ارتباك العلم إلى تحالف الفيروس مع طفيليات المعرفة.
لم يتوقف هذا التحالف بين المتطرفين والفيروس عند تقديم النظريات الموتورة بل تحول إلى خطر داهم عندما بدأت هذه الكتل الدينية الاجتماعية المتطرفة تشكيل بؤر الموت للوباء.
ففي إسرائيل تحولت مدينة بني براك إلى قنبلة بيولوجية من كثرة الإصابات ويرجع الأمر لأكثر من سبب أهمها تزاحم الأرثوذكس في المعابد، ولم يكن مصادفة إصابة وزير الصحة الإسرائيلي المصنف ضمن المتطرفين (ليتسمان) بالكوفيد-19 كونه خالف التوجهات الرسمية لحكومته حيث يتجاهل المتطرفون القوانين الدنيوية عندما تتعارض مع ما يقوله قادتهم الدينيون.
هذا النمط السلوكي لم يختلف في حكاية المريضة 31 الكورية والتي تنتسب لطائفة مسيحية تتبع كنيسة شينتشيونجي والتي أصرت على ممارسة القداس الديني الخاص بالكنيسة لتتسبب بعد ذلك بنقل المرض لمئات الحالات في الكنيسة – تم تقدير ضررها على مجموع المجتمع الكوري الجنوبي بما يوازي 80 % من الحالات في البلد بأكمله.
وفي الهند وتحديدا في نيودلهي أقيم تجمع ضخم لمتشددي الهندوس تبعه فعالية لشرب بول البقر لمواجهة كورونا الذي ضرب العالم، وفي العراق أكد المرجع الديني الطائي أن الفيروس لا يصيب المؤمنين في دعوة لاستمرار التجمعات الوبائية في الجوامع، وليس بعيدا عن كل هذا الصخب في 3 نيسان من الشهر الجاري وفي بيان للأمن الأردني أعلن عن القبض على 22 شخصا نتيجة تجمعهم مدعين أنهم يقيمون فرض صلاة الجمعة نظراً لقناعتهم أنهم أعلى من القانون البشري الذي يجمعنا ومرجعهم هم قادتهم الدينيون.
في العام 1922 قدم العالم ماكس فيبر نظريته الشهيرة تحت عنوان الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية مسلطاً الضوء على الخيوط الدقيقة التي تشد الثقافة والدين ضمن إطار الممارسات وما يتوجها من قيم حيث أن القيم الدينية هي المسؤولة عن نوع ومستوى النشاط الاقتصادي الذي كون روح الرأسمالية، واسترسل بطرحه إلى أن الذهنية البروتستانتية نتيجة انعتاقها من التشدد أنتجت قيما ومعايير عقلانية جديدة شجعت على العمل الحر ويوازيها الكالفينية في فرنسا فنشأت حالة تصالح ثقافي ديني دفعت المجتمعات للتقدم.
اليوم نجد أن المتطرفين ينفصلون عن ثقافة مجتمعاتهم بشكل استعلائي في جهل مقدس يفسره الفرنسي أوليفييه روا: أنه الاعتقاد بالديني المحض الذي يبني خارج الثقافات، هذا الجهل يحرك الأصوليات الحديثة المتنافسة في سوق للأديان، يفاقم اختلافاتها ويوحد أنماط ممارستها.
فهل كوفيد أرضية لنمو التطرف الديني أم اندثاره؟