معاذ يجمعنا..

في الليل، ترفع والدتي كفيها نحو السماء، تدعو الله أن يفك أسر البطل الطيار معاذ الكساسبة، ليعود إلى حضن عائلته سالما معافى. وحينما تصحو من النوم تكرر الدعاء ذاته، كأن معاذا واحد من أبنائها، تتمنى له ما تتمنى لهم تماما.اضافة اعلان
هذه حال جميع الأمهات الأردنيات اللواتي يشعرن أن معاذا هو الابن الغالي، ويسألن الله ليل نهار أن يعيده إلى حضن والدته التي تتجرع الحزن والألم في كل لحظة هو بعيد فيها عنها، ويأملن أن يعود لكي يزرع الفرح في قلبها.
عائلات أردنية تلتف جميعها حول معاذ؛ أخا وابنا، والكل يأمل أن يعود لكي يلتم شملهم جميعا.
غضب شعبي تفجر في كل بيت وقرية ومدينة ليوحد المشاعر جميعها في قضية أصبحت الشغل الشاغل لكل الأردنيين، ضارعين إلى الله تعالى، أن يكشف عن معاذ الضر. وهم في الوقت ذاته غير مهادنين مع الإرهاب الذي يرونه مشوها لرسالة الإسلام السمحة، وغير عابئ بأدنى المشاعر الإنسانية.
قضية أخذ الطيار الكساسبة على يد تنظيم "داعش" الإرهابي، كشفت كيف يتوحد الأردنيون عند البلاء، وكيف يتوجهون بقلوبهم نحو الوطن، فيكون الأردن هو الأول والثاني والأخير.
في هذه اللحظات العصيبة، يتحد الأردنيون لمواجهة الصعاب، ويقفون صفا واحدا هاتفين بنبض واحد "كلنا معاذ". وهو ما منح المفاوض الأردني القوة والعزيمة لكي يقف على أرض صلبة؛ فجبهته الداخلية محصنة ضد الاختراق والعبث والفوضى.
في أوقات سابقة، كنا نشعر أحيانا أن مشاعرنا تلاشت وجفت منابع العلاقات الصادقة فيما بيننا، وأننا لم نعد نشعر ببعضنا بعضا في هذا الزمن الذي يفرض علينا إيقاعه السريع غير المهادن. لكن معاذا ابن الجنوب، أثبت أننا ما نزال، على امتداد الوطن، يدا واحدة في السراء والضراء، وأننا موحدون بدعواتنا وأمنياتنا وعواطفنا.
هذا هو الشعب الأردني يكشف عن معدنه الطيب؛ من نخوة وكرامة وإحساس صادق بقضايا الوطن، ينتصر لها لأنه يؤمن أن ما يجمعه دائما أكثر بكثير مما يفرقه، ويرمي وراء ظهره أصحاب النفوس المريضة التي تستغل أي حدث أو موقف لكي تبث بذور الفرقة والانقسام.
"معاذ يجمعنا"، إذ إن سيرته لا تغيب عن أي بيت من بيوتنا، بانتظار ولو خبر صغير يعيد الأمل إلى نفوسنا بعد أن خيم الحزن على كل حياتنا، ونحن نشهد أوقاتا عصيبة مشوبة بالقلق والترقب.
ستبقى وحدة الأردنيين ضاربة في أطناب الأرض، وشوكة في قلوب من يرنون إلى انقسام هذا الشعب الذي يربطه شريان واحد هو شريان الحياة والمصير والأمل والمستقبل، فيقف صامدا في وجه الرياح وليكون أكثر تماسكا وقوة.