معارضة بين قوسين

منذ عقود، والحكي عن المعارضة في الأردن يتخذ مسارات محبطة، تشير إلى قلة فاعليتها، وعدم قدرتها على تحريك حجرين على رقعة شطرنج. وتوضع الأسئلة عن قوة هذه الفاعلية في إبريق زيت، عادة ما يصب على النار في الأزمات، ليبزغ من هذه المعارضة الواهية نجوم، يعتقدون بطاقتهم الكبيرة على خلق أجواء معارضة على حد زعمهم. اضافة اعلان
 الوقت الراهن ليس مناسبا لتقديم تفكيك للمعارضة، التي "تتبطح" على تاريخ من التناقضات والعجائب السياسية، تفضح هزال فكرها الذي لم تتمكن الى اليوم فيه، من إنتاج فهم واضح لمهماتها ومطالبها وبرامجها.
فهي مع الإصلاح السياسي، وهي مع التغيير وهي مع ومع.. الخ، لكن أداءها على ارض الواقع، بقي مسكونا بهواجس غريبة وغامضة، فهي لا تعمل إلا من خلف المكاتب، ولا تتحدث إلا من وراء ميكروفونات، ولا تتنفس الاوكسجين الشعبي الذي يتنفسه الناس في القرى والمخيمات والمدن.
ولم تستطع حتى اليوم أن تصوغ تغييرا واحدا، ولا ان تشكل حالة يمكن الانضواء تحتها، وتمكينها من أن تقود الشارع الرافض لسياسات حكومية عديدة، فهي تلقي بما هي عليه من تراخ وضعف وهزال على ظهر الحكومات المتعاقبة التي لم تمنحها الإذن بان تكون حرة، بينما هي عمليا لم تناضل لخلق فضاء حيوي، يجبر الحكومات المتسلطة والقمعية على أن تكون هي حرة، وقادرة على ان تكون موجودة.
فمن أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، تقلب معارضون مرموقون، وآخرون روضوا، وغيرهم ما يزالون يصرخون معارضين، حتى ضاق الأفق بهم، من معارض الى جهوي موتور، يحتمي حتى آخر رمق مما كان عليه اليسار أيام كان يسارا، ليوظفه في التنظير لجهويته.
لم تفلح المعارضة في الأردن بتأسيس كيان معارض حر، تنطوي مهمته داخل تنظيمات المعارضة وتطبيقاتها على ما تنادي به فكرة المعارضة الحرة، فالأمين العام لحزب ما، يبقى ملتصقا بكرسيه حتى آخر رمق، ومنظر الحزب العتيد الذي تربى في الكهف اليساري، لا يمكن أن يأتيه الخطأ من يمين أو يسار، والعضو الحزبي، مسكون بقلق الفكرة التي انتمى اليها، وجدواها على أرض الواقع، من دون ان يمتلك الجرأة لنقدها.
ليست لدينا معارضة حقيقية في الأردن، وما قيل إنها معارضة، هي بعض حراك ينتمي في جذوره الى أحزاب نعرف أنها ماتت، وتنظيمات لم تعد تعمل، لا من الطابق العاشر ولا من تحت الارض. وما يستوي اليوم في بعض من يظنون أنهم رموز معارضة، ليس أكثر من إيقاعات باردة على سطح ساخن، يحتاج إلى تغيير جذري في وعي فكرة المعارضة التي سيّدها هؤلاء. 
فمعارضتنا، إما أنها مروضة، أو مسكونة بهجس جهوي، وغير قادرة على تفعيله كما ينبغي إلا في إطار متاح سلطوي، تستند عليه على أنه داعمها وحاميها، أو أنها غير قادرة على الفعل، لكنها قادرة طبعا على الصراخ، وإنتاج مظاهر تبدو فيها كمعارضة، أو أنها تزحف نحو الشارع، ببطء سلحفاة وعقل خروف، ولا تنتج أي فضاء حيوي لفكرتها.