معضلة إسرائيل الديموغرافية: وهم أم حقيقة؟

كتبت غير مرة أن السبب الحقيقي وراء التوجه الإسرائيلي لمنح الفلسطينيين "دولة" أو بشكل أدق للانفصال عن الفلسطينيين هو التحسس من أن يصبح اليهود أقلية في منطقة تمتد من البحر المتوسط الى نهر الأردن. ويشكل هذا الوضع، بحسب التقدير الإستراتيجي السائد عند الإسرائيليين، مصدر التهديد الأساس الذي لا بد من العمل لإزالته. لذلك جاءت فكرة الانفصال لضمان أن يبقى اليهود أغلبية. ومن ثم، لم يأت التوجه لمنح الفلسطينيين "دولة" كتعبير عن إيمان إسرائيل بحق الفلسطينيين في تقرير المصير أو إيمانهم بعدالة ونبل القضية الفلسطينية.

اضافة اعلان

في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كان المبرر الديموغرافي هو الذي قاد حزب العمل (القوي آنذاك) أن يتبنى الخيار الأردني للتخلص من المشكلة الديموغرافية وقبول تقسيم "أرض إسرائيل" مع العرب. وكان حزب الليكود يمانع ذلك تحت ذريعة أنه يمكن التخلص من السكان والسيطرة على الأرض. انتصر منطق حزب العمل وتم تبني فكرة الانفصال لأسباب ديموغرافية، ولم يعد موضوع إسرائيل الكبرى يطرح في السياسة الإسرائيلية إلا من قبل أقلية هامشية لم يعد يستمع لها إلا القليل.

كتب خبير الديمغرافيا الأشهر في إسرائيل، سسون سوفير، كتابا عام 2000 يقول فيه أن اليهود سيكونون أقلية بحلول عام 2020. واستند في كتابه على أرقام إسرائيلية رسمية أخذت بعين الاعتبار معدلات الهجرة اليهودية ومعدل الخصوبة عند كل من اليهود والفلسطينيين. وقدم البروفسور ورقة مشهورة في مؤتمر هرتسليا الأول عام 2000 يطالب فيها بالانفصال عن الفلسطينيين وتبادل أراض مع السلطة الفلسطينية للتخلص من عرب إسرائيل.

وبالفعل عاد نتنياهو في الأعوام السابقة ليسلط الضوء على "الخطر" الديموغرافي الذي يشكله عرب إسرائيل. ومؤخرا نشر مكتب الإحصاء المركزي في إسرائيل أن عرب إسرائيل سيكونون 25% بحلول عام 2030 ما يعنى ارتفاع كبير عن النسبة الحالية وهي 19%. بعض الأصوات اليهودية تطالب بترحيل فلسطينيي إسرائيل في سياق اتفاقية سلام نهائية مع الفلسطينيين.

القراءة الديموغرافية التي أشير لها لا تواجه تحديا معرفيا في إسرائيل. لكن في السنوات القليلة الماضية ظهر ما يسمى بـ "البحث الديموغرافي الأميركي الإسرائيلي" ليطرح تحديا وإن بدا في ظاهرة أنه علمي إلا انه في جوهره أيديولوجي ومن أجل إحياء مقولة إسرائيل الكبرى. فالبحث الذي قُدم يتتبع التقديرات الديموغرافية منذ عام 1948 وكيف أنها أخفقت بشكل كبير. ويستند البحث الجديد على معطيات كثيرة منها مراقبة ودراسة وثائق خروج ودخول الفلسطينيين عبر الحدود منذ أوسلو، وكذلك يدرس تدني مستويات الخصوبة عند الفلسطينيين مقارنة بمعدلات الخصوبة السابقة. فتفيد الدراسة على سبيل المثال أن صافي هجرة الفلسطينيين للخارج كانت قد بلغت 12,000 لعام 2004، و16,000 لعام 2005، و25,000 لعام 2006.

ويصر معدو التقرير الجديد أن عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية هو 1,5 مليون نسمة وليس 2,3 مليون كما هو متعارف عليه. كما يشير التقرير الى أن عدد سكان غزة هو 1,1 مليون وليس 1,5 مليون كما يعتقد واسعا. وبناء على هذه الدراسة الجديدة فإن اليهود يتمتعون بأغلبية 67% مقابل 33% للفلسطينيين في أرض فلسطين التاريخية. وهذه التقديرات تختلف عن مكتب الإحصاء الفلسطيني الذي يفيد أن تزايد الفلسطينيين قد بلغ 30% في العشر سنوات الأخيرة.  وبناء على ذلك، يعتقد معدو التقرير أن الديمغرافيا اليهودية أصبحت ذخرا استراتيجيا وليس عبئا كما كان يعتقد في السابق. والرسالة التي يريدون إيصالها هي ضرورة أن يعزز الوعي الديموغرافي من الخيارات السياسية والاستراتيجية والدبلوماسية لحمائم إسرائيل (إن وجدوا) ولصقورها.

ربما من الصعب التحقق في صدقية هذه الدراسة لكن يبدو أن هناك حاجة فلسطينية ملحة لإظهار الحقيقة. فهناك ميل لأعداد متزايدة من الفلسطينيين لاستغلال العامل الديموغرافي وخلق زخم خيار الدولة الواحدة بعد أن أصبح حل الدولتين صعب التحقق. فالمنطق خلف مقولة حل الدولة الواحدة هو أن مزيجا من الديمقراطية والديمغرافيا سيعمل لصالح الفلسطينيين. لكن إذا تبين أن هذه الدراسة تعكس بالفعل دينامكية سكانية حقيقية، فإن هناك حاجة فلسطينية للتفكير في خيارات أخرى.