معظم حالات الارتداد المعدي المريئي يمكن معالجتها طبياً

 د. نعيم أبو نبعه

   ينجم الارتداد المعدي المريئي عن مرور محتويات المعدة الى المريء، وهو مرض مزمن ومنتشر في مختلف أنحاء العالم.

اضافة اعلان

وفي الأردن و بالرغم من عدم وجود إحصائيات حول نسبة هذا المرض إلا ان نسبته عالية, ويعالج العديد من المرضى أنفسهم بشكل خاطئ و بدون استشارة الطبيب.

و الحقيقة ان معظم حالات هذا المرض يمكن معالجتها طبياً بشكل ممتاز الا اذا كان هناك مضاعفات خطيرة في المريء، ناتجة عن الارتداد المزمن الغير معالج بالشكل الصحيح.

ويمكن اعتبار رجوع بعض محتويات المعدة الى المريء في بعض الحالات كحدث طبيعي عند الأشخاص الأصحاء وخاصة اذا حدث بعد تناول كميات كبيرة من الطعام، ولكننا نتحدث عن مرض الارتداد المعدي المريئي عندما ينتج عن ذلك الارتداد أعراضاً متكررة او عندما يحدث التهابات في المريء

   وهذه الالتهابات تتكون عندما تتغلب العوامل الهجومية الضارة بالمريء ( مثل عصير المعدة الحامضي بالإضافة الى عصير الببسين ) على العوامل الدفاعية للجدار، وان وجود فتق في الحجاب الحاجز قد يكون السبب أحياناً إلاّ ان هناك حالات من فتق الحجـاب الحاجز لا يرافقها ارتداد و لا أعراض او التهابات في المريء.

العوامل التي تساعد على حدوث ارتداد من المعدة الى المريء:

1.زيادة إفرازات المعدة الحامضية.

2.رداءة تفريغ المعدة.

3.زيادة الضغط داخل البطن: ان زيادة الضغط داخل البطن قد تكون زيادة كبيرة تفوق نسبة الضغط الموجود في صمام الفؤاد ( الصمام بين المعدة و المريء ) مما يؤدي الى مرض الارتداد نتيجة فشل الصمام في القيام بعمله.

وفي الحالات الطبيعية هناك عدة عوامل دفاعية تؤدي الى زيادة الضغط في صمام الفؤاد لمنع الارتداد الناتج عن زيادة الضغط داخل البطن، و لكن لسوء الحظ هناك عدة حالات قد يعجز الصمام فيها عن القيام بعمله مما يؤدي الى ارتداد محتويات المعدة الى المريء و الذي ينتج عنه الاعراض المعروفة.

والارتداد يحدث خاصة في فترة مـا بعد الطعـام او عندما يزداد الضغط داخل البطن لأي سبـب من الأسبـاب.

4-فتق الحجاب الحاجز  (  Hiatal Hernia  )  الحقيقة انه لا يوجد توازي بين فتق الحجاب الحاجز والارتداد، فهناك حالات من الفتق بدون ارتداد وهناك حالات كثيرة من الارتداد بدون فتق، ولكن الفتق يعمل على تقليل سرعة تفريغ المريء للمواد المرتدة.

   ويؤدي الارتداد الذي يحدث من الاثنى عشر الى المعدة نتيجة وجود ارتخاء في صمام البواب ( الموجود بين المعدة والاثنى عشر )  الى ضرر في المريء حيث ان الإفرازات الصفراوية القادمة من الاثنى عشر الى المعدة ومنها الى المريء تعتبر عامل هجومي ضد المريء وخاصة في حالات استئصال جزئي او كلي للمعدة.

زيادة حساسية المريء

   هناك بعض الأشخاص الذين يعانون من زيادة في حساسية المريء للإفرازات القادمة من المعدة، وهذا ما يساعد على الشعور بالأعراض و حدوث مضاعفات.

الأعراض والقصة الطبيعية للارتداد

   ان مرض الارتداد المعدي المريئي يظهر بعدة صور بأعراض مختلفة بعضها هضمية والبعض الآخر غير هضمية… كما ان الدراسات تشير الى عدم وجود علاقة كبيرة بين شدة الاعراض وبين ما قد نجده من التهابات في المريء، ولا بين تحسن الأعراض وتحسن التهابات المريء.

وتظهر الأعراض أحيانا بشكل نموذجي ( واضحة جداً ) وأحيانا أُخرى تكون غير نموذجية وغير واضحة، أحياناً تتحسن بشكل كبير مع العلاج وأحياناً يكون تحسنها بسيط مع العـلاجـات المتوفـرة.

الاعراض الهضمية لمرض الارتداد المعدي:

1)الحرقة: أحد الاعراض الأكثر حدوثا وانتشاراً وخصوصية في هذا المرض هو الحرقة التي تصعد أحياناً حتى البلعوم.

ويزداد الشعور بالحرقة بعد تناول الطعام او بعد الانحناء الى الأمام او بعد رفع الأثقال وقد يشعر المريض به بشدة عند الاسترخاء للنوم في السرير وقد يمنع المريض من النوم.

وان كثرة ظهور الحرقة وشدتها تختلف بشكل كبير من مريض لآخر، فبالرغم من ان أغلبية مرضى الارتداد يعانون من هذا العرض إلا ان هناك بعض حالات من الالتهابات الشديدة والمتقدمة لا يشتكي فيها المريض من الحرقة.

2-التجشؤ ورجوع بعض محتويات المعدة او المريء الى منطقة الحلق

وهو أحد الأعراض المميزة للارتداد ويختلف عن التقيؤ لعدم و جود غثيان ( التجشؤ الحامضي دون غثيان يعتبر برهان للارتداد ) ويحدث عادة بعد تناول الطعام بكميات كبيرة او عند الانحناء الى الأمام …الخ وهناك التجشؤ الحامضي والتجشؤ الهوائي.

3-صعوبة البلع( Disphagia )

قد تتواجد حتى في اكثر من  20% من حالات الارتداد ويمكن ان تظهر نتيجة:

-أسباب حركية: وفي هذه الحالة تحدث صعوبة البلع عند تناول الطعام الصلب او السائل وتكون صعوبة البلع متقطعة فأحيـانـا يشعر بها المـريض وأحيانا لا .

-أسباب عضوية ميكانيكية: وهذه الحالة تظهر صُعوبة البلع فقط عند تناول الطعام الصلب، ولكن في حالة التضيق الشديد للمريء، فإن المريض يشعـر بصعوبة كبيرة في البلع حتى عند تناوله للمواد السائلة.

ويكون هذا التضييق نتيجة تليف في المريء بعد زمنٍ طويل من الالتهابات الشديدة المزمنة.

4)آلام أثناء البلع: والتي قد تكون ناتجة عن التهابات متقدمة في المريء.

5)أعراض هضمية أخرى: مثل آلام في المنطقة العليا من البطن، شعور بانتفاخ البطن،زيادة في الإفرازات اللعابية…الخ.

الأعراض غير الهضمية لمرض الارتداد المعدي المريئي

   لوحظ أن ارتداد بعض محتويات المعدة الى المريء قد يسبب أعراض غير هضميـة مختلفـة ومتنوعـة منها:

1-أعراض تنفسية: مثل السعال المزمن خاصة أثناء الليل، التهابات مزمنة في الرئتين …الخ،والسبب في هذه الاعراض التنفسية هو وصول المحتويات المرتدة الى الحلق ومن ثم استنشاقها ودخولها الى القصبة الهوائية والرئتين وهذا ما يحدث خاصة عند الأطفال، و لكننا نشاهده أحيانا عند البالغين الذين قد يعانوا كذلك من بحة في الصوت وقد تزداد نوبات الربو عندهم.

2-أعراض ناتجة عن وجود التهابات في البلعوم: مع إمكانية وجود لحميات او تكيسات فيه.

3-أعراض في الفم: ناتجة عن إمكانية وجود تقرحات والتهابات بسبب وصول المحتويات المرتدة الى الفم مرات عديدة.

4-آلام في الصدر: يقدر بأن حوالي15% ممن يعانون من الارتداد يشكون من نوبات ألم في الصدر ناتجة عن الارتداد، وقد يكون ألم الصدر هو العرض الوحيد، وقد يشعر المريض بآلام الصدر عند تناوله مشروبات مختلفة وأحيانا قد تظهر على شاكلة ذبحة صدرية منتشرة الى الرقبة والكتف واليد.

مضاعفات الارتداد المعدي المريئي:

1.التضييق: ضيق في الجزء السفلي من المريء والذي يكون بسبب الالتهاب المزمن في المريء، وقد ينتهي بحدوث التليف و نجده عادة في الجزء السفلي من المريء، ولكن اذا تواجد في المناطق العليا منه فعادة يكون مرافقاً لما يسمى باريت Barret ( تغييرات في طبيعة الخلايا ) و يظهر هذا التضييق في الحالات المرضية الطويلة الأمد مع وجود الارتداد او من دونه، ويشتكي المريض في حالة حدوثه من صعوبة في بلع المواد الصلبة والذي قد ينتهي بصعوبة حتى في بلع المواد السائلة.

2.قرحة في المريء: تظهـر القرحة كأحد مضاعفـات الالتهابـات في المريء وفي حالة وجودها قد يعاني المريض من نزيف هضمي علـوي بسيط ومتكرر ومـزمن ولكن أحيانا قد يظهر نزيف حـاد وشـديد.

3.مريء باريت( Barret  oesophagus )

قد يحدث تغييرات باثولوجية في خلايا المريء التي تتحول الى خلايا ظهارية أسطوانية تشبه خلايا المعدة ويكون لونها احمر وتحدث في بعض مناطق المريء، واكتشافها هام جداً لأنها قابلة للتحول الى سرطان.

النصائح العامة والعلاج الدوائي

   على المريض الذي يعاني من الارتداد المعدي المريئي ان يتبع النصائح التالية كخطوات أساسية متممة للعلاج الدوائي وهي:

1- رفع مستوى مقدمة السرير حوالي   25 - 20 سم لان هذا الإجراء يمنع الارتداد كما انه يساعد المريء على تفريغ أسرع للمواد المرتدة و يقلل من مرات الارتداد ومن تأثير المواد المرتدة على الغشاء المخاطي للمريء بذلك يقلل الضرر، وهذا الإجراء هام خاصة عند المرضى الذين يشعرون بالأعراض أثناء النوم.

2- عدم النوم بعد الأكل مباشرة ويفضل الانتظار لمدة ساعتين قبل النوم لان الطعام يزيد من نسبة الضغط وكمية الإفرازات بداخل المعدة، والبعض ينصح بالتخلي عن الوجبة الغذائية المسائية وتناول عدة وجبات صغيرة أثناء النهار عوضاً عنها.

3- العمل على تصحيح العوامل التي تزيد من الضغط داخل البطن ومن بينها:

•خفض الوزن.

•عدم ارتداء الثياب الضيقة.

•عدم شد الحزام على الخصر.

4- وجبات الطعام يجب ان تكون قليلة الدسم ومتنوعة ويفضل تناول الطعام الذي يزيد من نسبة ضغط صمام الفؤاد ( اسفل المريء ) مثل الطعام الغني بالبروتين، ويجـب الامتنــاع عن  تناول الطعام الذي يقلل من ضغط ذلك الصمام مثل "الشوكولاته، عصير الليمون، البندورة"، او من الطعام الذي له تأثير مهيج لجدار المريء مثل الطعام البارد جداً او الساخن جداً، وبشكل عام على المريض تجنب الطعام الذي يسبب له أعراض الارتداد.

5- يجب الإقلاع عن التدخين والمشروبات الكحولية لأن لها تأثير سلبي على صمام الفؤاد وعلى جدار المريء.

6)تجنب الإجهاد النفسي والنشاط العضلي الشديد لأنه يزيد من حدة الاعراض عند كثير من  المرضى.

7)معالجة الإمساك اذا كان موجوداً.

8)تغيير الأدوية التي تؤثر سلباً على توتر المعصرة ( صمام المريء السفلي ).

وأخيراً نقول انه وبالرغم من عدم و جود إحصائيات دقيقة لمعرفة تأثير هذه الإجراءات على مرضى الارتداد إلا ان تأثيرها الإيجابي واضح جداً لذلك يجب اعتبارها خطوات أساسية متممة للعلاج الدوائي.

العلاج الدوائي

ترتكز مبادئ العلاج الدوائي على ما يلي:

1.رفع كفاءة توتر المعصرة ( صمام المريء السفلي ) أثناء الهدوء وذلك باستعمال بعض الأدوية مثل:

Cisaprid ( ولكن يجب الانتباه الى المحاذير والآثار الجانبية لهذا الدواء ) . Domperidon- maleateMetoclopromid

2.خفض نسبة إفرازات المعدة الحامضية وذلك باستعمال:

•مركبات مضادات الحموضة ( المعدلة للحموضة )

•مضادات مستقبلات الهستامين.

•مثبطات مضخة البروتونات ( PPI ).

3.ربط أملاح الصفراء في حالة الارتداد الصفراوي باستعمال المركبات المضادة والمعدلة للحموضة والحاوية على هيدروكسيد الألمنيوم و المركبات الحاوية على( Cholestyramin ).

4.تحسين مقاومة الغشاء المخاطي للمريء وذلك باستعمال بعض الأدوية مثل ( Surcralfat )  ( Gavescon ).

وتستخدم الأساليب الجراحية لمنع الارتداد المعدي المريئي فقط في حالات خاصة منفردة يفشل فيها العلاج بالادوية او عند وجود مضاعفات خطيرة ومزمنة.

استشاري أمراض الجهاز الهضمي و الكبد