مفاعيل "الأزمة الإخوانية" ومخرجاتها

ما يحدث حالياً داخل "الإخوان" من تصعيد تمارسه مجموعة "المتشددين" (وفق ما وصفت به نفسها إعلامياً) يرقى إلى مستوى "التمرد". ولا يعجز من يرصد بعض الصحف الأسبوعية (والتسريبات والتصريحات الملغومة وبعض المقالات) أن يلحظ الحشد والتجنيد والتحريض الذي تقوم به هذه المجموعة ضد كل من قيادة الجماعة والحزب، ويدخل في هذا السياق "الحَرَد السياسي" للأمين العام لجبهة العمل الإسلامي، زكي بني ارشيد فهو بمثابة نزع للـ"مشروعية" التنظيمية والشعبية عن قائمة مرشحي الحركة، فضلاً عن تقارير ومقالات مجموعة "التدخل السريع"؛ وكل ذلك بهدف خلق بلبلة كبيرة في "الداخل الإخواني"، ولدى الرأي العام، تمهيداً لإسقاط تيار الوسط، كما حصل سابقاً عام 2002، ويمكن مراجعة ذلك إذا قررنا نبش "الأوراق القديمة" لاحقاً.

اضافة اعلان

بالعودة إلى مفاعيل الأزمة الحالية، فإنّ ترويج مجموعة "المتشددين" أنّ مردّ حرد بني ارشيد وغضبهم هو أنّ القائمة بمثابة انحناء واسترضاء للحكومة هو ترويج غير صحيح فيه افتئات واضح، فالسبب الحقيقي للحملة - على قيادة الحركة "الوسطية"- الفشل في تمرير أسماء وفرضها على أكثرية قيادة الجماعة والحزب، التي تقرر حسم أسماء المرشحين، كما حصل في الانتخابات السابقة.

أمّا التوصيف الدقيق؛ فإنّ ما يحدث حالياً داخل الجماعة ليس انعكاساً للأزمة بين الحكومة والإخوان، إنّما تصدير مجموعة "المتشددين" للأزمة الداخلية للخارج والاستقواء بالإعلام ضد القيادة الحالية.

ليس صحيحاً أنّ قائمة مرشحي الحركة استبعدت المعارضين للحكومة لصالح مجموعة "رخوة"، فالنواب "الإخوان" الذين بقوا هم ممن تمكّنوا من إثبات جدارتهم (مثل: عزام الهنيدي، محمد عقل، موسى الوحش،...) وليسوا على خصومة مع مجموعة "المتشددين"، والمرشحون الجدد هم أصحاب خطاب سياسي متميز ومتقدّم.

فالدكتور رحيل غرايبة، استاذ في الفكر السياسي الإسلامي، وهو من الفقهاء المعتبرين في هذا المجال على مستوى عالمي، ويُقدّم طرحاً فكرياً متميزاً، يبرز بصورة واضحة في كتابه "الحريات السياسية في الشريعة الإسلامية"، وقد تعرّض للاعتقال لمدة طويلة وفُصل من عمله الجامعي أكثر من مرّة، ويعيش في منزل متواضع في حي أبو نصير.

أمّا د. نبيل الكوفحي فقد كان رئيساً لبلدية إربد، ولديه إطلاع سياسي متميز مقارنة بقيادات إخوانية أخرى، ويمتاز خطابه السياسي بالسقف المرتفع.

ود. عبد اللطيف عربيات شخصية سياسية مرموقة ومعروفة، كان رئيساً لمجلس النواب لدورات متتالية، وأميناً عاماً لحزب جبهة العمل الإسلامي، ولعب دوراً كبيراً فيما وصلت إليه الحركة من إنجاز سياسي وتاريخي على الساحة الأردنية، وكذا الحال بالنسبة لحمزة منصور..، وكنت أتمنى أن نرى في القائمة شخصيات إخوانية أخرى عريقة، مثل د. إسحاق الفرحان، وعبد المجيد ذنيبات، ود. فتحي الملكاوي وجميل أبو بكر..الخ. فأين المشكلة في هذه الأسماء، مقارنة مع الأسماء التي تقدّمها مجموعة "المتشددين"، وأكثرها جُرِّب خطابه في مجلس النواب وخارجه، وكان مُحرِجاً للحركة، ولا يُعبِّر عن رؤيتها السياسية ولا مواقفها الفكرية التي استقرت عليها!

الفارق الحقيقي بين الأسماء البارزة في القائمة وبين مجموعة "المتشددين" (وهنا بيت القصيد) ليس في سقف الخطاب السياسي، وللمراقبين حق المقارنة العلمية الموضوعية والتحليل، لكن في جودة الخطاب ومتانته ودرجة الوعي والحكمة المبثوثة فيه. فالقيادة الحالية تُقدّم خطاباً سياسياً عالي السقف لكنها لا تعاني من عقدة "الأضواء الإعلامية"، وتمتلك نُضجاً سياسياً في التعامل مع الظروف الداخلية، ما جنَّب الحركة – تاريخياً- مصائد ومطبّات، وعبر بها المضائق الحادّة من دون خسائر تُذكر، مع أنّها لم تخلع ثوبها وحافظت على مواقفها الفكرية والسياسية.

يقول أحد السياسيين المخضرمين، من خصوم الحركة وهو قريب من دوائر صنع القرار، أنّ ما يسمى بالتيار "المعتدل- الوسطي" هو أخطر بألف مرّة؛ فهو تيار قادر على تحقيق الأهداف السياسية ويدرك تماماً أصول اللعبة وقواعدها، وهو الذي أوصل الجماعة إلى هذه المرحلة من القوة والنفوذ السياسي.

ويضيف هذا السياسي: أنّه يتمنى أن يسيطر التيار "المتشدد" الجديد على مقاليد الأمور؛ إذ يوفّر الذرائع المطلوبة كافة للمؤسسة الرسمية في مواجهة الحركة و"التخلص من مصادر قوتها ونفوذها التي باتت مزعجة".

أخطر ما في الأزمة الأخوانية أنّ هنالك مجموعة إخوانية تتقن فنّ العزف على أوتار عواطف القواعد الإخوانية الشابّة فتُسرّب للإعلام "الصديق" أنّها ستسعى جاهدة لإفشال القائمة الإخوانية، سواء كان ذلك بالأطر الداخلية من خلال مجلس الشورى، أو القواعد والتشويش على القيادة، وإمّا خارجياً بتشويه القائمة أمام الرأي العام، لإضعاف المرشحين وفرصهم في النجاح، بخاصة أن قوة جماعة الإخوان تكمن بتماسكها والنشاط الاستثنائي لقواعدها، ما سيؤثر – في المحصلة- على عدد المقاعد التي ستحصل عليها الجماعة في الانتخابات النيابية، تمهيداً لمعركة داخلية لاحقة.

على قيادة الجماعة حسم الموقف، بصورة لا تقبل القسمة على اثنين، فما يحدث خطر ومدمّر لمستقبل الجماعة ووحدتها، فضلاً عن أنّه خروج سافر على مؤسساتها الشرعية. وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً فإنّ د. بسام العموش تمّ فصله من الجماعة بسبب مقال نشره ناقداً لقرار المقاطعة عام 1997، وفُصل د. عبدالله العكايلة ومجموعة كبيرة لأنهم لم يلتزموا بقرار مقاطعة تلك الانتخابات، فيما جُمِّد آخرون على خلفية مقالات صحافية، وكان ذلك خياراً سلمياً فردياً مقارنة بما تقوم به المجموعة الحالية من تخريب واضح ومتعمد في الداخل وتسريبات إعلامية، وتمرّد أصبح معلناً!

[email protected]