مفهوم الإضراب يدخل حياة الأردنيين اليومية

مع إسدال الستارة على "أزمة المعلمين"، التي قاربت مدتها شهرا، وتُعتبر أطول إضراب في تاريخ الأردن، لن أتحدث عن المنتصر أو المهزوم، أو طريقة إدارة هذه الأزمة، وما تمخض عنها من إيجابيات أو سلبيات.. فقد أشبعت نقدًا وتحليًلا ومعالجة وأفكارا وطروحات. لكن يتوجب على المسؤولين في كل مواقعهم، التركيز والانتباه جيدًا إلى نتائج استطلاع لمركز الدراسات الاستراتيجية –الجامعة الأردنية، التي أعلن عنها صبيحة يوم الأحد الماضي، أي بُعيد ساعات قليلة فقط من الاتفاق ما بين الحكومة ونقابة المعلمين. أهم نتيجة خرج بها ذلك الاستطلاع، ليس كما يظن البعض بأن 65.3 بالمائة من الأردنيين يؤيدون مطالب المعلمين، ولا أن 69.9 بالمائة لا يؤيدون استمرار الإضراب، وليس كذلك أن 63.8 بالمائة (أغلبية المجتمع) ترى بأن الأمور في الأردن تسير في الاتجاه الخاطئ.. وإنما الأهم أن مفهوم الإضراب قد دخل بالفعل إلى حياة الأردنيين اليومية واهتمامهم الشخصي. نعم، يتوجب على الحكومة وأركانها المختلفة، الانتباه جيدا منذ الآن وصاعدًا، إلى موضوع الإضرابات، وخصوصًا بعد أن خرج المعلمون بنتائج إيجابية، لا بل أكثر مما كانوا يطالبون فيه. على المسؤولين، اعتبارا من لحظة توقيع "الاتفاق"، تغيير أسلوب وطريقة التعامل مع أي حدث أو قضية قد تحدث مستقبلا، وكذلك القرارات والإجراءات التي ستتخذها مستقبلا، وخصوصا تلك المصيرية التي تمس المواطن، سواء كانت بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. من نتائج الاستطلاع، يتضح بأن تفكير المواطن الأردني أصبح مختلفا، وبدرجات كبيرة، فعندما يعتبر الأردنيون بأن أكثر القضايا أهمية وتواجههم شخصيا هي "الإضرابات"، حيث بلغت نسبة من يرونها كذلك 7.7 بالمائة، وتزداد نسبتهم إذا ما علمنا بأن 15.7 بالمائة لا يعيرون اهتمامًا لأي قضية.. فهذا دليل على أن المواطن قد تغير تفكيره وطريقة تعامله مع القضايا أو الأحداث أو الأمور، بشكل عام، وبشكل خاص تلك التي تمسه. ما يؤكد أن مفهوم "الإضرابات" بدأ يأخذ حيزًا واسعًا من حياة المواطن الأردني وتفكيره، أنه أعطاها أهمية وأولوية على الفقر (5.9 بالمائة) والمشاكل الأسرية والاجتماعية (3.2 بالمائة)، وتلك المشاكل المتعلقة بالخدمات العامة (2.7 بالمائة)، ثم الفساد والواسطة والمحسوبية (2.2 بالمائة). عندما يصبح المواطن يرى بأن "الإضراب" أهم عنده من الفساد والأمن والأمان والإرهاب والتطرف، فتلك نذر شؤم وإشارات في غاية الحساسية وبالغة الأهمية، يجب على صانع القرار أن يأخذها من الآن على محمل الجد، ويعد العدة ويضع الخطة تلو الأخرى، كي لا يقع في "مطب" شبيه بالذي حصل قبل أيام، أو قد تحدث أمور لا يُحمد عقباها. أخشى، أن يكون المواطن قد وصل إلى مرحلة من التشاؤم والحنق والضنك، ما لا ينفع معها أو بعدها أي خطط أو قرارات تصويبية.. وإلا كيف يُفسر المتابع أو المراقب بأن الفقر أصبح في مرتبة أدنى من "الإضرابات" في رأي المواطن الأردني. يتوجب على المعنيين، قراءة نتائج استطلاع "الدراسات الاستراتيجية" بتمعن وروية، والتركيز جيدًا على ما بين السطور، لكي يتمكنوا في قابل الأيام من فهم الاهتمامات "الجديدة" للمواطن الأردني، وأقصد هنا طريقة تفكيره وأولوياته واهتماماته، كي يستطيعوا بعدها الإقدام على اتخاذ قرارات أو تنفيذ إجراءات. قد لا يعني تجاوز الحكومة لملف "أزمة المعلمين"، أنها قادرة بعد الآن على تجاوز كل الملفات التي ستقابلها مستقبلًا، وخصوصًا بأن هناك ملفات يحركها الكثير، لا بل ويسيطرون على مفاتيحها.اضافة اعلان