مقاتل سابق في مجموعة فاغنر يتحدث عن تجربته

جنود في مجموعة فاغنر الأمنية الروسية الخاصة - (أرشيفية)
جنود في مجموعة فاغنر الأمنية الروسية الخاصة - (أرشيفية)
إليانور بيردسلي* – (الراديو الوطني العام) 5/5/2022 ترجمة: علاء الدين أبو زينة غالبًا ما يُطلق على مجموعة فاغنر اسم “جيش ظل بوتين”، على الرغم من أن الكرملين أنكر دائما مسؤوليته -أو حتى معرفته بأنشطتها. ويُعتقد أن المجموعة أسسها في العام 2014 أحد المحاربين الروس في حرب الشيشان، والذي كان شديد الإعجاب بهتلر إلى درجة أنه أطلق على المجموعة اسم ريتشارد فاجنر، المؤلف الموسيقي المفضل لدى الفوهرر. ولفتت المنظمة انتباه العالم لأول مرة في العام 2014، عندما قاتلت إلى جانب الانفصاليين المدعومين من روسيا في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا. * * باريس- ترتسم على وجه مارات غابيدولين الخطوط والندوب بفعل سنوات من التعرض للعوامل الجوية، ويصبح شعره أقل كثافة بوضوح. لكنه ما يزال يتمتع، في سنه البالغ 56 عاماً، باللياقة البدنية والأذرع مفتولة العضلات لرجل أصغر منه بـ30 عاما. وهو يضع في يده خاتماً مكتنزاً يحمل نحتاً لجمجمة بشرية. والجمجمة هي رمز “مجموعة فاغنر” Wagner Group -قوة المرتزقة الروسية الخاصة التي يُعتقد أنها تتلقى التمويل من الأوليغارشية الروسية التي تربطها علاقات وثيقة بالرئيس فلاديمير بوتين. وتقاتل المجموعة الآن إلى جانب الجيش الروسي في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا. ويُعتقد على نطاق واسع أن بعض “الرجال الخضر الصغار” على الأقل -المقاتلين المدربين جيدًا الذين كانوا يرتدون زياً من دون شارات أو علامات- والذين استولوا على جزء من شرق أوكرانيا في العام 2014، كانوا أيضاً من جنود “مجموعة فاغنر”. في الأسبوع الماضي أيضاً، اتهمت أوكرانيا اثنين على الأقل من أعضاء مجموعة فاغنر بارتكاب جرائم حرب فيها. لكن أنشطة المجموعة شبه العسكرية لا تقتصر على أوكرانيا. كانت المنظمة ناشطة أيضا في جميع أنحاء إفريقيا في السنوات الأخيرة -ليبيا، والسودان، وموزمبيق، ومالي، وجمهورية إفريقيا الوسطى. واليوم، يُعتقد أن هناك ما يقرب من 10.000 عنصر يعملون في مجموعة فاغنر. غابيدولين، الذي يعيش الآن في فرنسا حيث طلب اللجوء، هو أول جندي سابق في مجموعة فاجنر يتحدث عن تجربته علنًا. وقد أصدر ناشر فرنسي، ميشيل لافون، كتاب غابيدولين الذي يتحدث فيه عن تجربته بعنوان “أنا مارات، القائد السابق في جيش فاغنر” Moi Marat, ex-Commandant de l’armee Wagner. وكان الكتاب قد نُشر في العام الماضي باللغة الروسية، لكنه لم يظهر باللغة الإنجليزية بعد. ولد غابيدولين في منطقة باشكيرسكايا السوفياتية، في وسط روسيا اليوم، وعمل لمدة 10 سنوات كضابط في الجيش السوفياتي قبل تسريحه من الخدمة. وفي العام 2015، وجد نفسه عاطلاً عن العمل وفي مرحلة متدنية من حياته. ويقول غابيدولين: “شعرت بالاكتئاب والإحباط، وأخبرني صديق عن هذه الشركة العسكرية الخاصة التي يمكن أن أكون مؤهلاً للانضمام إليها بسبب خلفيتي العسكرية”.

جذبت مجموعة فاغنر الانتباه العام في 2014

غالبًا ما يُطلق على مجموعة فاغنر اسم “جيش ظل بوتين”، على الرغم من أن الكرملين أنكر دائمًا مسؤوليته عنها -أو حتى معرفته بأنشطتها. ويُعتقد أن المجموعة أسسها في العام 2014 أحد المحاربين الروس في حرب الشيشان، والذي كان شديد الإعجاب بهتلر إلى درجة أنه أطلق على المجموعة اسم ريتشارد فاجنر، الذي كان المؤلف الموسيقي المفضل لدى الفوهرر. ولفتت المنظمة انتباه العالم لأول مرة في العام 2014، عندما قاتلت إلى جانب الانفصاليين المدعومين من روسيا في منطقة دونباس بشرق أوكرانيا. وصفت الحكومة الأميركية مجموعة فاغنر بأنها “قوة بالوكالة” لوزارة الدفاع الروسية. ويقول غابيدولين أن المجموعة، من نواحٍ عديدة، تشبه الجيش الروسي -خاصة مع وجود العديد من الضباط السابقين في الجيش الروسي في صفوفها. لكنها أيضًا مختلفة عنه جدًا. “إنها منظمة بالغة المرونة ويمكنها تغيير هيكلها بسرعة كبيرة، حسب الظروف”، كما يقول. ويضيف: “إنها جيش صغير مجهز بكل شيء. ويعتمد ما نفعله على عملائنا”. ومن المعروف أن هؤلاء العملاء يتراوحون من المجلس العسكري الحاكم في مالي إلى الرئيس السوري بشار الأسد. غابيدولين خدم مدة ثلاث سنوات في سورية يقول غابيدولين: “في سورية، كان أحد الأهداف هو تحقيق النصر بسرعة. لكن الهدف الثاني الذي كان بالأهمية نفسها، هو إخفاء عدد الخسائر التي تكبدها الجيش الروسي في تلك الحملة. لأننا أردنا أن نخلق صورة لجيش روسي قوي حقق النصر بتكلفة صغيرة فقط”. لكنه يقول إن ذلك كله كان خداعًا. كانت التكلفة ضخمة، لكن أحداً لن يعرف الأرقام الحقيقية. في الواقع، كما يقول الخبراء، غالبًا ما يكون جنود مجموعة فاغنر على الخطوط الأمامية -ولذلك، عادة ما تكون خسائرهم أعلى من خسائر الجيش النظامي، والجيوش الخاصة تذهب خسائرها دائماً من دون أن يحصيها أحد.

تنشر المجموعة المعلومات المضللة إلى جانب المرتزقة

يقول كيفين ليمونير، المتخصص في مجموعة فاجنر الذي يدرّس الجغرافيا السياسية في “جامعة باريس 8″، إن فاجنر ليست مجموعة، إنها علامة تجارية، على عكس الجيش الروسي إلى حد كبير. ويضيف: “إنها غير موجودة كهيكل رسمي”. يقول ليمونير إن هذا الواقع يجعل شركة فاغنر مختلفة عن الشركات العسكرية الخاصة الأخرى، مثل شركة “بلاك ووتر” الأميركية سيئة السمعة -المعلنة والمعروفة للعامة جيدًا- والتي جنت المليارات خلال الحروب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان قبل تغيُّر مالكيها وإعادة تسمية نفسها. ويصف ليمونير مجموعة فاغنر بأنها “مجموعة من المنظمات التي تحمل أسماء مختلفة، والتي يصعب تتبعها”. تعتقد الحكومات الغربية والمحللون الذين يدرسون المجموعة أن تمويل “مجموعة فاغنر” يأتي من يفغيني بريغوزين، وهو الأوليغارشي نفسه الذي ما يزال مطلوبًا لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بسبب تدخله المفترض في الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2016. ويقول ليمونير إن إمبراطورية بريغوزين تعتمد على ثلاثة أنواع من الأنشطة: “النوع الأول من النشاط هو بالطبع مجال المرتزقة والعمل الأمني. والنوع الثاني هو عمل التضليل وحرب المعلومات. والثالث هو استغلال الموارد الطبيعية في أفريقيا”. ويقول هذا الخبير إن أرباح مجموعة فاغنر نمت بشكل كبير في السنوات الأخيرة بسبب عملياتها في إفريقيا. ويُظهر فيلم وثائقي حديث تم بثه على شبكة التلفزيون العامة الفرنسية 2 كيف أن هذه الأنشطة الثلاثة -كما يصفها الفيلم الوثائقي- تتقاطع من أجل دعم الأنظمة الفاسدة، وإرهاب السكان المحليين، وفبركة الأكاذيب. حازت مجموعة فاغنر على الاهتمام في فرنسا في السنوات الأخيرة بسبب وجودها في عدد من المستعمرات الفرنسية السابقة، لا سيما جمهورية إفريقيا الوسطى ومالي. وكانت لفرنسا قوة قوامها 5.000 فرد تعمل في مكافحة الإرهاب في مالي من العام 2013 حتى كانون الثاني (يناير) من هذا العام. عندما دخلت تلك القوات مالي، تم الترحيب بها على نطاق واسع وتمكنت من صد هجوم الجهاديين. لكن الأعمال العدائية المحلية تصاعدت في البلد على مر السنين، والتي يقول ليمونير إنها أججتها مجموعة فاغنر. ويقول: “لأن مالي كانت مستعمرة فرنسية سابقة، فإن العلاقات مع باريس يمكن أن تكون معقدة. يمكن النظر إلى الوجود الفرنسي على أنه استمرار للسلطة الاستعمارية”. ويضيف ليمونير أن مجموعة فاغنر قامت بتخضيم هذه الرواية، واتهمت القوات الفرنسية بإثارة العنف في المنطقة، ودفعت بهذه الرسالة في حملات تهدف إلى التضليل. في نيسان (أبريل)، نشر الجيش الفرنسي صورًا ملتقطة بكاميرات طائرات من دون طيار، أظهرت جنود مجموعة فاجنر وهم يضعون جثثًا في الرمال بالقرب من قاعدة للجيش الفرنسي في مالي بعد انسحاب الفرنسيين. وانتشرت الصور على مواقع التواصل الاجتماعي مع بيان يقول: “انظروا ماذا ترك الجيش الفرنسي وراءه”. يوثق تقرير للأمم المتحدة صدر في 30 أيار (مايو) تصاعد العنف في مالي -عمليات الإعدام الميداني بإجراءات موجزة، والاختفاء القسري والتعذيب- منذ أن بدأ جيش البلد في التشارك مع المرتزقة الروس في كانون الثاني (يناير). وتقول الأمم المتحدة إن عدد المدنيين الذين قتلوا في مالي ارتفع بنسبة 324 في المائة مقارنة بالعام الماضي، وإن انتهاكات حقوق الإنسان ارتفعت بنسبة 150 في المائة. وزاد دور الجيش المالي في هذه الأعمال بنسبة 932 في المائة في الأشهر الثلاثة الأولى فقط من العام 2022، وفقا للتقرير.

مجموعة فاغنر توجد “في فراغ قانوني”

يقول ليمونير إن الطريقة الوحيدة لمحاربة مجموعة فاغنر هي كشف ما تفعله. لكن ذلك يمكن أن يكون خطيراً. وقد قُتل ثلاثة صحفيين روس يعملون مع منفذ إعلامي استقصائي يديره رجل الأعمال الروسي المنفي المناهض للكرملين، ميخائيل خودوركوفسكي، في كمين في العام 2018 أثناء محاولتهم تغطية عمليات فاغنر في جمهورية إفريقيا الوسطى. ويقول ليمونير: “يقوم على تنظيم واغنر أشخاص نشأوا في مجتمع ما بعد الاتحاد السوفياتي، حيث لم يعد للعنف والموت المعنى نفسه الذي لهما في مجتمعاتنا الغربية”. ويقول غابيدولين إنك عندما تكون جزءًا من مجموعة فاغنر، فإنك تدافع عن نفسك بشكل أو بآخر، لأن عملك غير موجود في العالم الحقيقي. ويشرح: “إن الشخص الذي ينتمي إلى هذه المجموعة موجود في فراغ قانوني. ولذلك فإن كل ما يحدث له يحدث فقط”. وليست الشركة مسجلة في روسيا أو في أي مكان آخر في العالم. لكن هذا يعني أيضًا، كما يقول غابيدولين، أن الجنود يكونون معفيين من أي عواقب تترتب على سلوكهم -الشخص “غير الموجود” يمكنه أن يفعل أي شيء. يقول غابيدولين إنه ترك مجموعة فاغنر لأنه أصبح منهكا ومُستنفداً أخلاقياً في سورية، بينما كانيقاتل من أجل حكومة فاسدة يكرهها مواطنوها. ويقول إنه طُلب منه القتال في أوكرانيا، لكنه رفض. ويقول إنه كتب الكتاب عن تجربته لأنه يريد أن يعرف الشعب الروسي الحقيقة عن سورية وعن حروب بلدهم وأكاذيب حكومتهم. *إليانور بيردسلي Eleanor Beardsley: صحفية بدأت إعداد التقارير من فرنسا للراديو الوطني العام NPR في العام 2004 كصحفية مستقلة تتابع جميع جوانب المجتمع الفرنسي والسياسة والاقتصاد والثقافة وفن الطهي. ومنذ ذلك الحين، عملت بثبات في طريقها لكي تصبح الآن جزءًا لا يتجزأ من فريق إعداد التقارير للراديو الوطني العام في أوروبا NPR Europe. *نشر هذا التقرير تحت عنوان: An ex-member of one of the world’s most dangerous mercenary groups has gone publicاضافة اعلان