مقاومة جديدة تتطور جنوب سورية

عناصر من الجيش السوري خلال عمليات في سورية-(أرشيفية)
عناصر من الجيش السوري خلال عمليات في سورية-(أرشيفية)
هآرتس بقلم: تسفي برئيل 9/8/2019 لقد مرت أكثر من سنة بقليل منذ أن تم التوصل إلى اتفاق لوقف اطلاق النار في جنوب سورية. قوات الشرطة الروسية تقوم بأعمال الدورية منذ ذلك الحين في المناطق المجاورة للحدود مع إسرائيل في هضبة الجولان. كتائب سورية تم نشرها على مداخل محافظة درعا وفي المدينة نفسها. مليشيات مؤيدة لإيران ومقاتلون من حزب الله تم تثبيتهم في مواقعهم، ويبدو أن الوضع القائم يمكن من روتين حياة سليم لسكان المنطقة. ولكن في الأسابيع الأخيرة، لا سيما في نهاية شهر تموز (يوليو) الماضي، تتحدث وسائل الإعلام ومنظمات حقوق الإنسان في سورية عن ازدياد المواجهة العنيفة بين المليشيات المحلية وبين قوات النظام والقوات المؤيدة لإيران. حسب موقع "شهداء درعا" الذي يوثق عدد المصابين في درعا، قتل على الاقل 12 شخصا منذ دخول وقف اطلاق النار الى حيز التنفيذ. ويضاف الى ذلك تقارير عن اعدام نشطاء مليشيات متمردين، اختطاف مدنيين واعتقال وتعذيب في سجون النظام. في المقابل، يقوم رجال المليشيات بتنفيذ عمليات بصورة مستمرة ضد أهداف عسكرية سورية، يطلقون النار ويزرعون عبوات ناسفة في حواجز الطرق ويطلبون من المواطنين المحاربة ضد السيطرة السورية على المنطقة. رسميا، قوات الشرطة الروسية والجيش السوري هي المسؤولة عن الأمن في المنطقة. ولكن مليشيات المتمردين الذين تم اجبارهم على نزع سلاحهم، يملكون كمية كبيرة من السلاح الشخصي والعبوات الناسفة التي تمكنهم من احياء المقاومة. النظام يقول إن المليشيات هي المسؤولة عن خرق النظام من اجل خدمة مصالح إسرائيل. في حين أن المليشيات تتهم النظام والقوات المؤيدة لإيران وحزب الله بضعضعة الوضع الراهن من اجل السيطرة بشكل كامل على جنوب الدولة. على جدران المباني في درعا ظهرت مؤخرا كتابات هددت بـ "كل من باع ضميره وكرامته ودينه. نحن نراكم وننتظركم، ثورة حتى النصر". يبدو أن هذه الشعارات موجهة ضد رؤساء المليشيات الذين وقعوا على اتفاق وقف اطلاق الذي يعتبر من قبل عدد من المليشيات خيانة لفكرة مقاومة النظام. ولكن ليس مستبعدا أن الشعارات كتبت من اجل التغطية على منفذي العمليات الحقيقيين. النظرية بأن إسرائيل هي التي تقف من وراء التسخين في القطاع الجنوبي، تقول بأن طموح إسرائيل هو أن تطرد من المنطقة الفرقة الرابعة السورية بقيادة ماهر الاسد، شقيق الرئيس، والتي تشارك فيها ايضا قوات إيرانية ومقاتلون من حزب الله. بهذا فهي تظهر قدرتها على ضعضعة الهدوء في هذه المنطقة. حسب هذه النظرية، إسرائيل تفضل أن يقوم الطابور الخامس الذي اقامته روسيا، على اساسات مليشيات المتمردين الذين وقعوا على اتفاق وقف اطلاق النار، بالسيطرة على المنطقة، وبذلك، ربما سيتم ضمان ابعاد القوات المؤيدة لإيران. النظرية المعاكسة تقول بأن الإيرانيين وماهر الاسد هم الذين يثيرون المواجهات من اجل الاثبات بأن الطابور الخامس (الروسي) لا يستطيع السيطرة على المنطقة، وأنهم هم الذين يجب عليهم تولي السيطرة الكاملة هناك. هذه النظريات التي هي ليست أكثر من تخمين في هذه الاثناء، تستند إلى اساس صلب واحد بحسبه وجزء من القوات السورية غير راضية عن السيطرة العسكرية الروسية على المنطقة وعلى مناطق اخرى في الدولة، عن طريق شبكة وقف لاطلاق النار املتها روسيا، وليس اقل من ذلك من تدخل روسيا في اشغال الوظائف القيادية الكبيرة في الجيش السوري. الخلاف بين الفرقة الرابعة والطابور الخامس يلزم إسرائيل بأن تفحص عن كثب التطورات في المنطقة، حيث أنه حتى روسيا لم تقم بالوفاء بتعهدها بابعاد القوات المؤيدة لإيران عن الحدود في هضبة الجولان. وهي في هذه الاثناء الضمانة الاهم في أن لا تتمركز القوات المؤيدة لإيران، بما في ذلك حزب الله، وتوسع سيطرتها في المنطقة. في درعا نفسها عادت الحياة حقا بالتدريج الى سابق عهدها. المحلات فتحت من جديد، مئات اللاجئين عادوا مؤخرا من الأردن الى بيوتهم، والمعبر الحدودي الجنوبي بين سورية والأردن تم فتحه منذ فترة، لكن أجهزة الإدارة المدنية السورية ما زالت لا تعمل. حسب اتفاق وقف اطلاق النار، قوات الجيش السوري يجب أن لا تدخل الى المدينة، لكن العلم السوري يرفع على المباني الحكومية وموظفو الحكومة يعودون الى عملهم ويقدمون الخدمات، مثل المدارس والمحاكم، ويحصلون على ميزانيات لاعادة الاعمار. تجديد هذا النشاط يتباطأ، ومعظم الخدمات تديرها لجان محلية توزع المسؤوليات فيما بينها حسب التنظيمات. جهاز القضاء يديره رؤساء القبائل، الوجهاء ورجال لهم نفوذ راكموا القوة خلال الحرب. النظام تعهد ايضا باطلاق سراح 4500 سجين وتم اطلاق سراح 1000 فقط. وهو أمر يتسبب ايضا بتوتر وامتعاض عام يهدد اتفاق وقف اطلاق النار. روسيا التي اقامت جهازا خاصا لتثبيت اتفاق وقف اطلاق النار بين الجيش والمتمردين في ارجاء سورية كجزء من العملية الاستراتيجية لنقل السلطة في الدولة الى الاسد، نجحت في معظم الحالات بوقف المواجهات العسكرية بين الطرفين. ولكن انهيار كبير لاتفاق وقف اطلاق النار مثل الذي يمكن أن يحدث في جنوب سورية، يهدد ليس فقط وقف اطلاق النار في مناطق اخرى، بل يمكنه أن يقلل من شرعية النشاط السياسي الروسي، خاصة في العملية السياسية الواسعة التي تحاول الدفع بها قدما قبل الحل الشامل. ضعضعة الهدوء في الجنوب يمكن أن تؤثر على البؤرة الأكثر قابلية للاشتعال والتي توجد في محافظة ادلب، التي يتركز فيها 50 ألف متمرد مسلح، الاعضاء في مليشيات انتقلت اليها من مناطق اخرى. روسيا تطلب من تركيا أن تطبق الاتفاق الذي وقع بينهما في شهر ايلول (سبتمبر) الماضي والذي بحسبه تهتم بأن تبعد عن المحافظة السلاح الثقيل والمتوسط مقابل أن لا تشن قوات الاسد والقوات الروسية هجوما شاملا يمكن أن يتسبب بموجة لاجئين كبيرة، الذين سيهربون من ادلب الى تركيا. تركيا لم تسارع حتى الآن في تنفيذ دورها في الاتفاق، سواء لأنها لا تنجح في اقناع المليشيات بالقاء سلاحها الثقيل، أو لأنها حولت وجود الاتفاق إلى رهينة لمطالبتها بتأسيس منطقة آمنة في شمال سورية. تركيا تصمم على أن هذه المنطقة تشمل الاقاليم الكردية، وأن يكون عمقها 25 – 30 كم وطولها 40 كم، وأن تكون تحت سيطرتها الحصرية. هذا الطلب وقف حتى هذا الاسبوع في مركز الخلاف بين انقرة وواشنطن، التي تعارض طلب تركيا خوفا من أن يكون الأمر لا يتعلق بمنطقة آمنة، بل احتلال تركي مباشر سيضر الاكراد في سورية، حلفاء أميركا في الحرب ضد "داعش". ولكن بعد ثلاثة ايام مكتظة ومتوترة من المفاوضات بين ممثلي البنتاغون ووزارة الدفاع التركية، توصل الطرفان الى اتفاق على اقامة غرفة عمليات مشتركة تشرف على ادارة المنطقة الآمنة بصورة أن "تستخدم كمعبر للسلام وتمكن آلاف اللاجئين الذين يمكثون في تركيا من العودة الى بلادهم". التصريحات العلنية القصيرة لم تفسر كيف ومتى سيتم انشاء المنطقة الآمنة، وما هو حجمها وكيف سيدار الاشراف المشترك. ولكن هذا الاتفاق سيمنع في الوقت الحالي تركيا من شن هجوم عسكري واسع في شمال سورية. واشنطن التي حذرت تركيا بصورة فظة من هجوم كهذا يمكنها ربما الآن أن تقلص وجودها في سورية اذا اثبت الاتفاق بينهما نجاعته وضمن أمن الاكراد. في نفس الوقت، في القيادة الكردية التي تخاف من أن التفاهمات بين تركيا واميركا ستمنح تركيا يدا حرة في محافظاتهم، يجري صراع قوى بين حزب الاتحاد الديمقراطي والذراع العسكري فيه وبين المجلس الوطني الكردي، حول مسألة تمثيل الاكراد السوريين في العملية السياسية. المجلس الكردي الوطني، المدعوم من تركيا، والذي يستعين بقيادة الاقليم الكردي في العراق، هو عضو في تحالف قوات المعارضة السورية ضد بشار الاسد، وبصفته هذه فهو مدعو للمشاركة في محادثات السلام. حزب الاتحاد وذراعه العسكري (لجنة الدفاع الشعبي، التي تعتبر من قبل تركيا منظمة ارهابية متفرعة عن حزب العمال الكردي)، تركيا تعارض اشراكه في أي عملية سياسية وترى في دعم الولايات المتحدة لهذه القوات دعما للارهاب. حزب الاتحاد لا يسعى الى اقامة دولة كردية مستقلة، وهو يؤيد التعاون مع نظام الاسد ويأمل بهذا أن يحقق مكانة حكم ذاتي كجزء من الحل السياسي. في الاسابيع الاخيرة استقال عدة اعضاء من المجلس الوطني الكردي وانضموا لحزب الاتحاد. وبهذا عزز مكانته السياسية وقوة مساومته للاعتراف بتمثيله. ولكن الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين اميركا وتركيا، اذا خرج الى حيز التنفيذ، يمكن أن يكون له تأثير مهم ليس فقط على علاقة القوى السياسية في القطاع الكردي، بل ايضا على مكانة محافظة ادلب. حيث أنه لتركيا لن تبقى ذريعة لتأخير تنفيذ نصيبها في الاتفاق الذي وقعت عليه مع روسيا، وجعل المليشيات تسلم سلاحها الثقيل والمتوسط. لا توجد ضرورة لحبس الانفاس، لأنه عندما ستبدأ تركيا في اجراء مفاوضات مع هذه المليشيات لن يكون هذا عملية سريعة وسهلة. بين قوات المتمردين في ادلب تسود خلافات عميقة حول حيازة السلاح واستمرار محاربة نظام الاسد والضمانات التي ستمنح لضمان رجالهم بعد تسليم السلاح. ولكن حتى اذا حدثت معجزة ونجحت تركيا في هذه المهمة، فان روسيا وسورية ستقفان أمام معضلة شديدة وهي أنه سيكون عليهما تحديد موقف بالنسبة لمكانة تركيا كقوة محتلة في سورية. ولكن هذا موضوع آخر.اضافة اعلان