مكان العرب في صراعات المنطقة..!

يقف العرب موقف المترقِّب السلبي في الصراع الحرج الآن بين الولايات المتحدة وإيران، ويواجهون المزيد من القلق والاحتمالات. ومن المؤسف بما يكفي أن تكون طريقتهم العجيبة في التآمر على أنفسهم قد وضعتهم دائماً في الزاوية الضيقة، ليتوقعوا بخوف من أي اتجاه ستأتيهم الضربات. اضافة اعلان
ولا أضع العرب الشيعة خارج المعادلة العربية. إنهم بكل مقياس عربٌ أقحاح، ينتمون بعمق إلى هذه القومية، وإلى الدّين السائد الذي عرّف الحضارة العربية الإسلامية منذ وقت طويل. ومن المؤسف أيضاً أن يضطر أحدنا إلى التذكير بذلك – بل وحتى الاضطرار إلى إثبات الثابت.
بدأت القسمة السّنية-الشيعية داخل الإسلام في وقت مبكر نسبياً بسبب صراع قبَلي على السلطة والمصالح الدنيوية على أساس العصبوية العائلية. لم يكُن ذاك خلافاً على تأويل العقيدة وأساسياتها، وإنما تقدّس فيه أشخاص عاديّون وأرضيّون تماماً كردة فعل على مظالم أرضية دنيوية حقيقية أو متخيلة، كما يحدث في أي صراع على نفوذ أو أملاك. ومثلما كان إبراز أي انتماءات فرعية -قبلية أو قُطرية أو مذهبية أو دينية- وبالاً على العرب جميعاً، كانت القسمة السنية/ الشيعية جنياً خطيراً في قمقم، والذي لا يمكن أن يجلب إخراجه أي خير لأحد.
حتى قبل أقل من عقدين تقريباً، كانت هذه التقسيمة هامشية إلى حد كبير. لم تكن تظهر في الحديث اليومي ولا عناوين الأخبار ولا بأي شكل مؤثر. وحتى عندما خاض العراق حرباً مع إيران بعد الثورة الإيرانية –لمصلحة الهيمنة الأميركية على الإقليم أساساً- قاتل الشيعة العراقيون بضراوة نظراءهم في الطائفة مقدّمين ولاءاتهم القومية والوطنية، ولم يكن عنوان ذلك الصراع طائفياً بشكل أساسي. وكان الذي أطلق جنيّ الطائفية من قمقمه هو الاحتلال الأميركي للعراق في 2003. وجاء المحتلون بزعم الانتصار للشيعة المضطهدين، فقط ليقيموا في البلد نظام حكم طائفي بشع، مستغلين خطأ شائعاً في العالم العربي، هو تهميش الشيعة العرب وحرمانهم من المشاركة في السلطة، حتى حين يشكلون أغلبية المواطنين في بعض الأقطار. وكان هذا سبباً أساسياً في تغريب هؤلاء المواطنين وتعذيب مشاعرهم القومية الصادقة.
كان الاحتلال الأميركي هو الذي جلب إيران بقوة إلى السياسة العراقية وفتح لها باباً في الصراع على النفوذ الإقليمي. وفي آليات الدفاع عما تبقى من الاستقلال العربي الظاهري، إذا كان منه شيء، برزت ثنائية (سُنة-شيعة) إلى حد نسي معه العرب بقية المتنافسين على النفوذ عليهم: الخارجيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة؛ الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة؛ وتركيا المنبعثة بشعارات القومية الطورانية والعثمانية. ولم يرِد العرب الشكاؤون الاعتراف أبداً بأنهم جردوا أنفسهم من إمكانيات التعامل كأنداد، وجعلوا بلادهم أرضاً واطئة يتصارع كل الآخرين للهيمنة عليها وعلى استرقاق أهلها. وفي حين استحضر الآخرون حتى أصغر عوامل الوحدة وحيّدوا التناقضات واستعانوا بالقوميات أو تذرعوا بنشر المثُل الحقيقية المصطنعة، أسس زعماء العرب سياساتهم وكرسوا موارد شعوبهم لحفظ بقائهم الشخصي في السلطة في كل قُطر، وغذوا عوامل الفرقة والتناقض المدمرة بين الأقطار -وفي داخلها. وهي صيغة كفلت –وستكفل- خسارة الجميع، بمن فيهم نفس تلك التكوينات الحاكمة المنفصلة عن شعوبها والمكروهة منها، كما أظهر "الربيع".
الآن، يتوقع العرب حرباً تخاضُ على أراضيهم. وفي خضم الارتباك الطويل، لا يلاحظون، أو يتناسون –أو حتى يدافعون- عن وجود 50 ألف جندي أميركي على الأراضي العربية في الكثير من القواعد العسكرية. وهم لا يسمّون هذا احتلالاً ولا انتهاكاً، وإنما حاجةً إلى الحماية، حتى مِن عدو مُعلَن ومبتزٌّ صريح ومهيمنٍ يستهدف منهم الكرامة والموارد والحرية. بل إن البعضَ يسوِّقون مصلحة في التحالف مع العدو الصهيوني، ميسرين له الهيمنة عليهم وعلى شعوبهم.
ومن جهة أخرى، ثمة "القواعد الإيرانية" على الأراضي العربية. وجنودها "الوكلاء" عرب أرسلتهم السياسات الهازمة للذات هدية لإيران التي ربما رأوا فيها بديلاً يجلب لهم في أوطانهم حقوقاً يرونها مهدورة. وفي الصراع بين الخارجيين، كان العرب –سنة وشيعة ومن أي مشرب- هم الضحايا النهائيون. ويقول عنوان خبر حديث لوكالة "فرانس برس" الكثير: "المتظاهرون العراقيون يشجبون الاحتلالين التوأمين: الأميركي والإيراني". وقدّر مراقبون أن أميركا قد تعقد صفقة مع إيران تسمح بموجبها للأخيرة بضرب مرافق في دولة عربية لحفظ ماء الوجه انتقاماً لسليماني. هذا هو موقع العرب من الصراع.