مكرم الطراونة يكتب: تجاوز الجزر المعزولة

مع مرور أكثر من ثلاثة أشهر على ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا في الصين، ما يزال الوباء يجتاح أرجاء العالم بلا هوادة، والنتيجة التي أفرزها هي تحويل الدول إلى جزر معزولة، كل منها يجتهد بطريقته لكي يحد من انتشاره، غير أنها تبقى مجرد جهود فردية لم توضع في سياق العمل الجماعي.اضافة اعلان
مقاومة كورونا تتطلب تعاون العالم أجمع، تعاونا ليس المقصود منه فقط تجاوز التحديات الاقتصادية التي لا نقلل من أهميتها وخطورتها على استقرار الدول، بل الأهم في هذه المرحلة هو تبادل المعلومات والمعرفة ومشاركة الخبرات ليتمكن العالم من الانتصار في معركته ضد الفيروس.
وكما أن هذا الفيروس عابر للقارات ولا يعترف بالحدود والأجناس، فمواجهته كذلك تحتاج إلى جهد عابر للقارات والحدود، والخروج من حالة الانكفاء على الذات التي تمارسها الدول اليوم في تصديها لهذا الوباء.
العمل الفردي للدول لن يساعدها على النجاة والفوز بإبعاد شبح الوباء عن أراضيها، فهي وإن نجحت آنيا في تطهير البلاد من الفيروس، ستبقى مهددة به ما دامت هناك حالة واحدة في العالم، وسيظل شبح اجتياحه لها قائما، لذلك من المستحيل أن يكون الخلاص فرديا من هذا الوباء، بل لا بد من تشاركية بشرية كاملة، بالجهود والمعرفة والخبرات والعلم والتكنولوجيا.
المقالة التي نشرتها صحيفة "الفاينانشال تايمز" البريطانية، أمس، وهي مقالة مشتركة لجلالة الملك مع رئيس جمهورية ألمانيا الاتحادية فرانك-فالتر شتاينماير، ورئيسة جمهورية سنغافورة حليمة يعقوب، ورئيسة جمهورية أثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية سهلورق زودي، ورئيس جمهورية الإكوادور لينين مورينو غارسيس، تشير صراحة إلى أن مواجهة واحتواء كورونا المستجد يحتاجان إلى توحيد الجهود العالمية.
تأتي هذه الرسالة الواضحة تماما بعد أن باتت دول العالم تحاول أن تنأى بنفسها عن كل ما هو حولها، معتقدة أن الأولوية تكمن في الحلول الداخلية للأزمة، لذلك غابت روح التعاون فيما بينها، وغدونا نجد دولا تفقد أرواح المئات من أبنائها أمام أعين المجتمع الدولي الذي لا يحرك ساكنا تجاه مأساتها، حتى أنه يتلكأ في تقديم المساعدات الطبية التي قد تساعدها في إنقاذ بعض الأرواح.
دول ذات اقتصاد كبير تنهزم أمام هذا العدو، وبنيتها الصحية تتردى ولم تعد تقوى على الصمود في وجهه. رأينا المرضى يموتون قبل أن يتمكنوا من الحصول على سرير، أو علاج يجعلهم ينتصرون على هذا الفيروس.
لغة التحدي والتحفيز أظهرتها مفردات المقال الذي أشاد جلالة الملك وقادة ألمانيا وسنغافورة وأثيوبيا والإكوادور فيه بجهود الذين يعملون حول العالم بجد وحرص لإنقاذ الأرواح والاستمرار بتوفير خدمات لا غنى عنها. كما لا يخلو المقال من التأكيد على الثقة بأن العالم سيكسب هذه الحرب إن تم حشد قوى البشرية كاملة لمواجهته.
شكل العالم بدءا من اليوم لا بد أن يتغير، فالمليارات التي يتم ضخها يجب توجيهها نحو الأبحاث العلمية، بدلا من تلك التي تنفق على الترسانات العسكرية التي لم تفعل شيئا سوى زيادة شقاء الشعوب، لكنها لم تتمكن من الانتصار على فيروس صغير غير مرئي، لينتشر بين البشر بسرعة تفوق الخيال.
المقال المنشور في الصحيفة البريطانية، لا بد أن يكون بداية لإعادة التفكير في مستقبل العالم، وتسخير إبداع الإنسان وقدراته اللامتناهية نحو مجال يؤطر لمرحلة جديدة تنهي حالة العزلة التي تعيشها الدول اليوم، واهمة أنها السبيل إلى خلاصها.