مكرم الطراونة يكتب: لا خيار أمامنا.. يجب أن ننجو

جدل واسع أثاره نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور جواد العناني بدعوته إلى أحكام عرفية لمدة عامين للخروج من أزمة الاقتصاد المحلي لفترة ما بعد وباء كورونا.اضافة اعلان
الناس بغريزتهم يرتعبون خوفا من مصطلح الأحكام العُرفية، فهو بالنسبة إليهم يمثل القمع ومصادرة الحريات والتضييق عليهم في جميع سبل العيش، كما يمثل مصادرة لجميع أشكال العمل المؤسسي. لكن العناني بالتأكيد لم يكن يقصد الأحكام العرفية بمثل هذا المفهوم، والتي تطال الجوانب السياسية والاجتماعية.
العناني كان يتحدث من ناحية اقتصادية بحكم معرفته وخبرته في هذا المجال، وهو لا يرى بديلا عن ذلك إذا ما أرادت الدولة أن تنعش الوضع الاقتصادي، وأن ترسم طريق نجاة للبلد، لذلك فهو يرى أنه لا خيار أمام الحكومة سوى وضع خطة صارمة لهذا السياق والتشدد في تطبيقها، بما يعني أنه لا مفر أمام من يتذاكى ويتهرب من مساعدة الوطن في هذه الأزمة غير المسبوقة.
هنا؛ لا بد لنا من أن نرفع الغطاء ونلقيه جانبا، فهناك إقرار بأن جزءا كبيرا من القطاع الخاص يختبئ الآن متواريا عن الأنظار في محاولة للهروب من دوره الوطني والمجتمعي خلال هذه الأزمة الطاحنة التي فُرضت علينا، وهو يصر على ممارسة التواري رغم النداءات العديدة التي وجهت إليه من أجل المساهمة في دور وطني مهم تقوم به الدولة اليوم، وبعض القطاع الخاص الذي بادر إلى التبرع بالأموال للمساهمة في هذا المجهود المبارك، وللتخفيف قليلا عن الدولة التي تواجه موازنتها للعام الحالي ظرفا صعبا.
حتى الآن، الدولة قادرة على التعاطي مع الثقل المالي الملقى على كاهلها جراء تداعيات "كورونا"، لكن بلا شك فإن هذا العبء يتضاعف مع الأيام، وسيكون مستقبلا أكبر من قدراتها، ما يعني أن الوهن سيصيبها وستتأثر كفاءتها في مواجهة الوباء، وهنا سيدفع الجميع الثمن، والضرر سيطال جميع القطاعات والأفراد، وعلى رأسها أصحاب رؤوس المال، فالفقراء والمحتاجون لا يملكون ما يخافون عليه إذا ما تأثرت الدولة اقتصاديا لا قدر الله.
مبكرا ومنذ بداية الأزمة وضع الأردن هدفا واحدا، ولم يدخل في لعبة الخيارات والاحتمالات: ننتصر وتستمر المسيرة وتبقى الدولة بقوتها ومنعتها وأمنها ونظامها الصحي، قادرة على الولوج في المستقبل بأمن وهدوء.
صحة الأردنيين والمقيمين على أرض المملكة والحفاظ عليها، باستباق هجوم الفيروس والتقدم ولو بخطوة واحدة عليه كانت هي المعادلة السحرية التي تمسك بها الأردن لتحقيق هدفه الأسمى، فهؤلاء هم عماد الدولة وقوامها ومصدر منعتها وقوتها.
بعد ذلك لا بد من جملة تحديات عظيمة ستبرز وتظهر، وعلى رأسها الوضع الاقتصادي في بلد منهك أساسا من هذه الناحية، كان ذلك أيضا محور استعداد مسبق بدأ قبل أن تظهر آثار "أزمة كورونا" ميدانيا، وقبل أن تصبح ملموسة وحقيقة واقعة، فقد بدأ الأردن بالاستعداد والتحضير لتجاوز الأزمة بجانبها الاقتصادي، وهو جانب لم يغفل أهميته منذ البداية.
الخطط دخلت حيز التنفيذ فعلا، أعلنت سبل تعويض القطاع الخاص ومساعدته، وكذلك دعم القطاع العام وضمان استمراريته في خدمة الأردنيين على أمثل وجه.
في هذا السياق، أنشئت الصناديق لكل من يرغب بالمساهمة في دعم المجهود الوطني في هذه المرحلة الحساسة جدا من تاريخ المملكة، التي دأبت على تجاوز الصعاب والتحديات بصورة عز مثيلها، وهي وإن كانت هذه المرة تواجه تحديا يفوق طاقة دول عظمى، فهي قادرة على المضي قدما بهمّة قيادتها وشعبها ورجالها الذين بادروا لتقديم مساهمات مجزية دعما لصندوق "همّة وطن".
عبر "همّة وطن"، نترقب مساهمة آخرين لطالما عملوا وحققوا ثروات كبيرة أيام الرخاء، هم لا شك سيبادرون ولن يتوانوا عن تأدية دورهم الوطني، فهو واجب أولا وأخيرا.