مكفوفون ينتصرون على عزلة "كورونا" بلوحات تعبر عن أحاسيسهم

الفنان التشكيلي سهيل بقاعين - (من المصدر)
الفنان التشكيلي سهيل بقاعين - (من المصدر)

ربى الرياحي

عمان - الشغف والبصيرة والإحساس المرهف، كلها مقومات مهمة أسست لإنشاء أول مرسم في المنطقة يحمل اسم دارة سهيل الذي يهتم فعليا بصقل مواهب الصغار من فاقدي البصر والغوص داخل أعماقهم الحاضنة للإبداع.
هؤلاء الصغار استطاعوا، بدعم ومساندة الفنان التشكيلي سهيل بقاعين، أن يبصروا الحياة بمخيلتهم ويتفاعلوا معها، وتمكنوا من أن يحولوا إعاقتهم إلى طاقة وقوة ويصنعوا من الظلام ممرا لطموحاتهم الكبيرة التي لا تعرف اليأس.
فكرة المرسم هذه جاءت لتؤكد الإيمان بقدرات أطفال فقدوا البصر، لكنهم لم يفقدوا الأمل وحبهم للحياة بإبداعهم المتواصل. البداية من مبادرات عدة أهمها مبادرة "عبق اللون" التي دفعت صاحب الفكرة وسفير المنظمة العالمية للمكفوفين إلى توسيع المشروع واستكمال الرسالة التي حظيت بتكريم جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين وتقديره للجهود المبذولة التي تم على إثرها وبرعاية ملكية إقامة مرسم عبق اللون في أكاديمية المكفوفين.
سهيل وكمتطوع هناك كسر حاجز الرهبة والخوف لدى الأطفال فاقدي البصر، وذلك بتمكينهم من مزج الخيال بالواقع وقراءة الألوان والتعرف عليها بحواسهم، بالإضافة إلى تحريضهم على أن يكون لهم حلم خاص بهم ينطلقون من خلاله إلى العالم منتصرين على العزلة وتلك الصورة النمطية التي تستهجن على الكفيف أن يمارس حياته بالطريقة التي يريدها متكئا على ما لديه من إرادة وطموح.
تعرض العالم بأكمله لجائحة كورونا وما صحبها من تعطيل لمظاهر الحياة والتنقل ومنع التجمعات، كل ذلك لم يوقف نشاط المجموعة أو يثني من عزيمتها، إصرارهم جميعا على أن يكونوا في قلب الحدث دائما مطلعين على الأجواء العامة ومشاركين في تصويرها من خلال الرسومات كلها أمور جعلتهم أقدر على توثيق الحالة والتفاعل معها بالاعتماد على خيال الأطفال الواسع والمبدع، وأيضا على حواسهم التي أطلقوا لها العنان لكي يخرجوا بأجمل اللوحات وأكثرها تعبيرا عن الواقع وعما يجول في دواخلهم من مشاعر وأحاسيس قد تكون مكبوتة.
هم ومن خلال الرسم استطاعوا أن يرسلوا للعالم رسالة مضمونها أن الشخص الكفيف على قدر التحدي ولديه كل الإمكانات لكي يكون مبدعا ومتميزا إذا أعطي الفرصة ووجد من يدعمه ويسانده ويتبنى موهبته وهذا تماما ما قام به الفنان سهيل.
افتتاحه لمرسم دارة سهيل في جبل اللويبدة لتعليم المكفوفين الرسم مجانا ساعده كثيرا على تغيير حياة الأطفال المكفوفين، هو ومن خلال هذا المكان المميز أوجد متنفسا لهؤلاء الأشخاص الممتلئين بالطاقة الإيجابية.
حرصه على أن يبقوا على اتصال بموهبة الرسم طيلة فترة جائحة كورونا دفعه ليقوم بتعليمهم عن بعد وبالاستعانة بالفيديوهات لتوصيل الأفكار والمعلومات لهم.
الخيال وقدرتهم على استحضار الحالة الشعورية هما ما كانا يستفزان فيهم الإلهام والرغبة في معايشة الحدث كما هو. الكفيف ولأنه يعتمد على حاسة اللمس في الدرجة الأولى وبكل شيء تقريبا عاش مخاوف كثيرة خلال أزمة كورونا، لذلك كان لا بد من إيجاد طريقة سهلة ونافعة في نفس الوقت لإشغال هؤلاء الأطفال وإبعادهم قدر الإمكان عن القلق والشعور بالخطر. وهذا ما لمسه الأطفال من ذوي الإعاقة البصرية في الرسم وخاصة في ظل الظروف الصعبة التي تأثر بها الجميع، فهو وبكل بساطة منحهم فرصة التحليق بكل الأفكار غير التقليدية والقابلة لتجسيد الإبداع واستخدامه كهمزة وصل بينهم وبين الواقع، وأيضا جعلهم يتنقلون بلهفة وسعادة بين مشاعرهم المختلطة سمح لهم بأن ينثروا لوحاتهم بصدق الإحساس ودقة الأداء.
وعن الطموحات التي تسعى المجموعة ككل إلى تحقيقها، يرى بقاعين أن اختياره لمكان المرسم في جبل اللويبدة أمر في غاية الأهمية لكون تلك المنطقة نقطة جذب سياحي من شأنها أن تبرز إبداعات الأطفال وتبقيها حاضرة محليا وعالميا، كما أن ذلك سينشط السياحة الثقافية وسيحفزهم على تقديم الأفضل دائما وتطوير إمكاناتهم.
إلى ذلك، يسعى إلى دمج الأطفال المكفوفين مع أقرانهم المبصرين في مرسم دارة سهيل وذلك لإثبات قدراتهم وأنهم أهل للتحدي ليس هناك ما يمنعهم من أن يكونوا أحرارا بإبداعهم الذي لا ينضب.
ويؤكد بقاعين أن الخطوات المقبلة تركز في الدرجة الأولى على إقامة معارض فردية للأطفال المكفوفين وهذا حتما سيدعمهم نفسيا وماديا. كما أنهم سيحاولون جاهدا أن يوسعوا هذا المشروع الريادي وإدخال الموسيقا عليه ليكون امتدادا لمرسم الأكاديمية والعمل على جعل دارة سهيل مركزا مساندا للأكاديمية، حريصين بذلك على الامتثال لتوجيهات جلالة الملك التي تصب كلها في ضرورة دعم الإبداع، وخاصة فئة ذوي الإعاقة.

اضافة اعلان

جانب من تدريب الأطفال
جانب من الرسومات