ملاحظات على هامش مقترحات تعديل قانون الضمان(3-3)

يقول المثل إن العاقل هو من يتعلم من تجارب وأخطاء غيره. ولربما يجب علينا النظر الى تركيبة التأمينات الاجتماعية في أميركا ومن ثم التمحيص بوضع الضمان الاجتماعي والحماية التأمينية عندنا في الأردن.اضافة اعلان
في الولايات المتحدة، كل عامل في الاقتصاد الرسمي ودافع للضرائب خاضع، حكما وفعليا، لتأمين الضمان الاجتماعي. بينما تغطي شبكة الضمان الاجتماعي عندنا في الأردن فقط 65 % من القوى العاملة، بحسب تصريح الضمان الاجتماعي نفسه.
عبء الضمان الاجتماعي في أميركا -الاقتصاد الأكبر في العالم- 12.4 % من الراتب (يتقاسمه مناصفة صاحب العمل والموظف) بحد أقصى محدد، فيما عبئه عندنا للقطاع الخاص 21.75 % من الراتب وأيضا بحد أقصى يتحمل صاحل العمل ثلثي الاقتطاع والموظف الثلث الباقي.
سن التقاعد المبكر في أميركا 62 عاما، فيما يبلغ سن التقاعد العادي 67 عاما مع حوافز إضافية لمن يعمل لغاية السبعين، مع مساواة النساء والرجال في سن التقاعد. بينما في الأردن التقاعد المبكر على الخمسين وسن التقاعد العادي للنساء 55 عاما و60 عاما للرجال. مع مراعاة أن متوسط الحياة في أميركا أعلى منه في الأردن. ومع ملاحظة أيضا أن النساء في الأردن أصبحن يورثن رواتبهن، بحسب آخر تعديل للقانون، ومتوسط معدل الحياة عند النساء أعلى منه عند الرجال بحوالي خمسة أعوام.
يحسب راتب التقاعد في أميركا على حساب معدل أعلى 35 عاما من اشتراكات الضمان. فيما عندنا آخر خمسة أعوام هي المهمة فقط، مما يزيد من إمكانية التلاعب وكذلك يقلل من مرونة سوق العمل بمنع من كانت رواتبهم عالية في فترة ما من قبول رواتب أقل لاحقا.
أميركا استحدثت نظام التوفير للتقاعد الاختياري الذي يحتوي على حوافز ضريبية عالية. والنظام المعروف بـ401K ليس حكوميا بل يعطي منافع ضريبية لكل أميركي يوفر في حساب التقاعد الخاص به. وهذا الحساب التوفيري تدخل فيه أيضا مساهمات من أصحاب العمل مقابل منافع وحوافز ضريبية كذلك. ويكون لكل موفر حق اختيار أين تستثمر أمواله الخاصة للتقاعد سواء في ودائع أو سندات أو صناديق استثمار أسهم وغيرها.
في أميركا عبء اقتطاعات الضمان الاجتماعي كنسبة من حجم الاقتصاد يصل الى حوالي 4 % مع تغطية شبه شاملة لكل عامل في الاقتصاد الرسمي، فيما ستتجاوز نسبة العبء عندنا في الأردن في 2019 حاجز 6 % من حجم الاقتصاد مع عدم تغطية أكثر من ثلث عمال وموظفي الأردن.
يتوقع الضمان الاجتماعي الأميركي دخوله في العجز -لأول مرة منذ إنشائه في الأربعينيات- مع حلول العام 2034 ضمن المعطيات الحالية. قبلها سيحتاج إما الى تعديل القانون لتقليل المنافع و/أو زيادة الاقتطاعات. مع ملاحظة أن اقتطاعه الحالي منخفض نسبيا ولديهم مرونة كافية في رفع الاقتطاع عند الحاجة مع بقاء عبء الضمان بنسبة مقبولة من حجم الاقتصاد ومن رواتب العمال. في الأردن نقطة التلاشي الحالية لكل صندوق الضمان، بحسب ما أعلن الضمان -ضمن المعطيات الحالية- تأتي بعد حوالي 25 عاما. مع التنويه إلى أن عبء الضمان في الأردن عال جدا. ومع التأكيد أيضا أن نظام الإعفاءات الضريبية لتشجيع العمال على التوفير لتقاعدهم في أميركا أتى بسبب قناعة واضعي السياسات هناك الصحيحة أن كل صناديق التقاعد ذات المنافع المحددة مسبقا ستحتاج دوما الى تعديلات في المنافع والاقتطاعات لضمان ديمومتها، مما يحتم تشجيع الناس ضريبيا على التوفير والاستثمار لتقاعدهم.
الضمان الاجتماعي في أميركا ممنوع من الاستثمار إلا في سندات الخزينة الحكومية ولا يستثمر في الأسهم وسندات الشركات. في الأردن يستثمر الضمان الاجتماعي في الودائع والسندات والأسهم والعقار والقروض؛ حيث بلغ عائد الاستثمار على حقوق الملكية في 2017 3 % و2 % في 2016، بحسب الميزانيات المنشورة لصندوق استثمار الضمان. وكان العائد الاستثماري الصافي بنسبة 4.6 % في العام 2014، و2.5 % في العام 2013 مقابل نسب ضئيلة جدا بلغت 1.4 % في العام 2012 و0.7 % في العام 2011. والسبب في التحسن كان أساسا ازدياد حصة السندات من محفظة الضمان الإجمالية بعد العام 2013.
نقطة العائد الاستثماري تحتاج الى وقفة مراجعة. فعائد الاستثمار الصافي لمحفظة الضمان منذ حوالي عشرة أعوام يأتي أقل كثيرا من معدل العائد على السندات الحكومية الأردنية التي لا يوجد فيها أي مخاطرة من ناحية أن السندات بالدينار ومقرضة للحكومة؛ أي أن باقي استثمارات صندوق الضمان من أسهم وعقارات وشركات كان عائدها السنوي قليلا جدا مع أن كلفة إدارتها أعلى بكثير من كلفة إدارة محفظة السندات.
بداية أقترح بكل جدية أن تسحب الحكومة مقترح مشروع تعديل قانون الضمان الحالي صيانة لما تبقى من الثقة وأن يكون هناك حوار وطني شامل لعام أو أكثر فيما يخص الإصلاحات الجذرية للضمان الاجتماعي في الأردن؛ لأن صندوق الضمان حاليا في حالة صحية جيدة ويوجد وقت كاف لتعديلات جذرية تعالج كل النواقص في الوضع الحالي. وأقترح هنا بعض المقترحات التي تحتمل الخطأ والصواب، والمقصود بها بدء نقاش موضوعي بهذا الأمر المهم جدا لمستقبل البلد واقتصاده:

  • بداية، أي تعديل قادم على الضمان الاجتماعي يجب أن يقتصر على المشتركين الجدد لا المشتركين حاليا في الضمان الاجتماعي. مع التفكير بإمكانية اختيار المشتركين الحاليين الخضوع طوعيا لبنود القانون الجديد إذا أرادوا ذلك.
  • تقليل نسبة اقتطاع الضمان من 21.75 % الحالية الى أقل من 12 % مع تزامن ذلك برفع سن التقاعد المبكر الى 58 عاما والتقاعد العادي الى 62 عاما مع وجود حوافز للتقاعد على سن 65 أو 67، ومع مساواة سن التقاعد للنساء والرجال.
  • حساب معدل الراتب لغايات حساب راتب التقاعد استنادا الى أعلى 15 أو 20 عاما من اشتراكات الموظف.
  • إيجاد حوافز ضريبية لأصحاب العمل والموظفين (من ضريبة الدخل أو استحداث رديات ضريبة مبيعات) لكل من يرغب في التوفير لتقاعده الخاص بنظام يشبه تجارب الدول الأخرى مع وضع قيود على السحب من حساب التقاعد الخاص قبل سن الستين مثلا.
  • تأطير أسس استثمار الفائض التأميني للضمان الاجتماعي بأسلوب لا يحتمل التأويل أو النقاش:
  • مثلا بأن يذهب 50 % الى 70 % من الفائض التأميني السنوي في سندات حكومية أردنية بالدينار أو بالدولار تكون نسب عائدها أعلى من معدل نسب العائد لكل السندات الحكومية المصدرة في كل عام.
  • أن يستثمر 15 % الى 25 % من الفائض التأميني السنوي في الشركات المساهمة العامة بحسب وزنها من مؤشر سوق عمان المالي؛ أي أن يكون الاستثمار بنظام الصناديق المتابعة للمؤشرات index fund.
  • أن يستثمر 10 % الى 20 % من الفائض التأميني السنوي في العقارات الأردنية المدرة للدخل أو الأراضي السليخة عبر مناقصات شفافة دورية وتشمل جميع محافظات المملكة مرجحة بحسب عدد السكان.
  • أن يستثمر 5 % من الفائض التأميني السنوي في سندات حكومات عالمية بالعملة الصعبة. مثل سندات حكومة ألمانيا أو كندا أو بريطانيا أو أميركا.
    هي إذن بعض المقترحات التي تستجلب تجارب عالمية مع الالتفات الى توصيات المؤسسات الدولية المستندة الى تجارب دول عديدة ودراسات اقتصادية محكمة. أتمنى أن لا تسلق التعديلات سلقا وأن لا نصل الى نتيجة جديدة تزيد فيها اقتطاعات الضمان مرة أخرى مسببة مزيدا من التثبيط للاقتصاد الأردني.