ملف الطاقة وفجوة الثقة

ما من ملف حظي بنقاش وجدل أردني في السنوات الأخيرة أكثر من ملف الطاقة. هذا ليس بالأمر المستغرب، فالطاقة بالنسبة لبلد مثل الأردن يستورد معظم احتياجاته من المصادر، هي السبب الرئيسي لأغلب مشاكلنا وعلى رأسها المديونية التي تفاقمت بفعل فاتورة الطاقة، وتراجع القدرة التنافسية لصادراتنا بسبب ارتفاع كلفة الطاقة، وتأكل دخل المواطنين نتيجة ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وفاتورة الكهرباء. باختصار الطاقة هي سبب مصائبنا.اضافة اعلان
بالأمس حاول وزير الطاقة الأسبق الدكتور إبراهيم سيف بمقالة له في"الغد" تفكيك ألغاز تسعيرة الكهرباء ومديونية الشركة. سيف الذي نجح في وضع مشاريع القطاع على سكتها الصحيحة عندما تولى إدارة شؤونه، تقدم باقتراحين للخروج من مأزق الكهرباءـ يقضي الأول بمراجعة تسعيرة الكهرباء مقابل تقديم دعم مادي مباشر للفئات الشعبية المتضررة، والثاني الخروج من نظام المشتري الوحيد للطاقة وتحرير السوق بحيث يسمح بالانتاج والتوزيع دون المرور بحلقة الكهرباء الوطنية.
في الأثناء كان وفد صندوق النقد الدولي يطالب خلال اجتماعه مع ممثلي القطاع الصناعي بتخفيض أسعار الكهرباء على المستهلكين. وأظن من سياق الكلام يقصد تخفيضها على المصانع والقطاعات الإنتاجية التي تدفع عشرة أضعاف مايدفعه المنزلي كما ذكر الدكتور سيف في مقاله.
حاولت الحكومة الحالية سد فجوة المعلومات بكل ما يتعلق بملف الطاقة والإجابة على سيل من الأسئلة التي لاتنتهي حول تسعيرة المشتقات النفطية، وبند فرق الأسعار على فواتير الكهرباء، وقيمة الدعم الحقيقي ومديونية شركة الكهرباء ومدى مساهمتها بالمديونية العامة، وكلف الاستيراد والتكرير والنقل، ومشاريع الطاقة المتجددة وتلك حولها جدل طويل عريض. ومن قبل ومن بعد اتفاقية الغاز الإسرائيلي التي ألقت بظلال قاتمة على النقاشات الجارية.
لكن في كل مرة تصدت فيها وزارة الطاقة للأسئلة والاتهامات بإجابات تفصيلية، كانت حزمة أخرى من الأسئلة تثور من جديد، وبالنتيجة لم تتمكن الجهات المختصة من تجسير فجوة الثقة بما يخص ملف الطاقة. ويمكن في هذا الصدد الإشارة إلى الملف الذي أطلقه النائب خالد رمضان، وحمل عنوانا يلخص أزمة الثقة القائمة"قطاع الطاقة والثروة المعدنية.. الثقب الأسود". من الواضح أن مطالعة النائب رمضان استندت إلى أراء خبراء في القطاع ومعلومات موثقة حول مختلف القطاعات المشمولة بمظلة الطاقة.
وسط هذا المناخ الملبد بالشكوك خرجت علينا وزارة الطاقة بخطوتين مفاجئتين، الأولى وقف مؤقت لتراخيص مشاريع الطاقة المتجددة نتيجة عدم وجود قدرة على استيعاب أو تخزين الانتاج. والثانية إعلان نيتها مراجعة استراتيجية القطاع وتطويرها، وربط القرار الأول بالثاني.
الخطوتان تزيدان المشهد غموضا، وتكشفان عن ارتباك واضح في التعامل مع ملف استراتيجي كملف الطاقة، اكتشفت الجهة المعنية فيه على نحو مفاجىء أن استراتيجيته ناقصة وتحتاج لتطوير!
اقترح أن تدعو الحكومة وقبل تعديل استراتيجية الطاقة واعتمادها، إلى عقد منتدى الطاقة الأردني يجمع الخبراء والمختصين من مختلف القطاعات المعنية، لبلورة رؤية استراتيجية تحظى بتوافق، تضمن الخروج من النفق المظلم، وتقدم للناس حلولا واقعية تساهم مستقبلا بتوفير طاقة بأسعار معقولة لجميع القطاعات. منتدى يدرس كافة الخيارات والاقتراحات بتجرد وموضوعية علمية لعلنا ننجح في نهاية المطاف بسد فجوة الثقة برواية الحكومة.