من أين يأتي التهديد للأردن؟

ما تزال الدولة الأردنية تتمسك بجدول أولوياتها التقليدي؛ القضية الفلسطينية أولا، ومن ثم باقي التحديات. وفي الوقت الراهن، تحل سورية ثانيا.
من الناحية الاستراتيجية والتاريخية، يبدو الترتيب منطقيا. لكن إذا نظرنا للأمر من زاوية أخرى، هل تشكل القضية الفلسطينية اليوم مصدر التهديد الأول، أم أن الخطر يأتي من الجبهة الشمالية؟اضافة اعلان
القضية الفلسطينية صراع مزمن، نجح الأردن في التكيف مع استمراره من دون حل. لا بل إن بعض السياسيين والمفكرين يعتقدون أن بقاء الصراع أفضل من حله بالنسبة للأردن.
إسرائيل في القاموس السياسي الرسمي لم تعد مصدر تهديد مباشر للأردن، منذ توقيع معاهدة وادي عربة. والحدود الغربية مع فلسطين لا تشكل مصدر قلق أمني، كما كانت الحال قبل عقدين من الزمن.
بالمختصر، الجبهة الغربية للأردن في حالة سكون، والانشغال الأردني فيها سياسي بامتياز؛ مفاوضات لا تنتهي، ومحاولات لا تتوقف لحل "النزاع" بين الفلسطينيين والإسرائيليين. فشل مثل هذه المحاولات ليس بالجديد، فقد فشلت من قبل عملية السلام، ولم يتأثر الأردن بشكل مباشر.
خذوا مثلا المحاولة الحالية التي يقودها وزير الخارجية الأميركي جون كيري. من مصلحة الأردن، بالطبع، أن تنجح جهود الحل السلمي؛ قيام دولة فلسطينية من مصلحتنا قبل غيرنا. لكن ماذا سيحدث لو فشلت جهود كيري؟ ببساطة، سيستمر الوضع القائم، وسننشغل بعد سنة أو سنتين بمحاولة جديدة، وهكذا كما تعودنا من سنين.
هل يُقارن تحد كهذا مع ما هو حاصل على الجبهة الشمالية؟ في اليوم الواحد، يعبر إلى ديارنا نحو ألف لاجئ سوري، والعدد تجاوز المليون في وقت مبكر. محاولات التهريب زادت بنسبة 300 %، والتسلل 250 %، حسب تصريح لمسؤول عسكري. مئات الأردنيين التحقوا بجبهات القتال في سورية، والمتطرفون بيننا اشتد عودهم.
المخاطر المترتبة على الأزمة في سورية فرضت على القوات المسلحة تعزيز وجودها العسكري على الحدود، بكل ما يعنيه ذلك من تكاليف مالية. يضاف إليه استنفار أمني لمراقبة الحدود ليل نهار، تحسبا من عبور مجموعات إرهابية. عناصر "القاعدة" يقيمون على حدودنا، ولن يترددوا في التوغل إذا ما سنحت لهم الفرصة.
الصراع في سورية يضع المنطقة كلها على شفير حرب أهلية وطائفية. مهما حاول الأردن أن ينأى بنفسه، فإن نيرانها ستمتد لأراضيه.
القوى الدولية والإقليمية المتورطة في الأزمة السورية لا تتركنا في حالنا؛ كل طرف يضغط لدفعنا بالاتجاه الذي يخدم أجندته، ونحن بالكاد نصمد في مواجهة الضغوط. نضطر حينا لمجاملة هذا الطرف، فنفتح ثغرة للتسليح، ثم نعود ونغلقها حين يكتشف "السوري" أمرنا. هي رقصة "التانغو المميت" على حد تعبير نائب وزير الخارجية السوري فيصل مقداد.
والأزمة في سورية قطعت خطوط التجارة الأردنية مع دول الإقليم، وكبدت الاقتصاد الوطني خسائر لا يستهان بها.
هل يمكن أن يستمر تقييمنا لهذا التحدي على نفس المستوى، مع كل المؤشرات التي تفيد بأن أمد الأزمة سيطول؟
إعادة النظر في ترتيب الأولويات على الأجندة الأردنية، ليست مسألة ميكانيكية أو فنية؛ إنها مسألة سياسية بامتياز، يترتب عليها إعادة توجية للجهود الدبلوماسية، والمهمات الداخلية أيضا.
التهديد للأردن في اللحظة التاريخية الراهنة يأتي من الجبهة الشمالية لا الغربية.

fahed_khitan@