من الديوان إلى الديوان

على مدى عدة أيام، خرج عشرات الأردنيين، من العقبة الى عمان، مشيا على الاقدام، في رحلة الشتاء والصيف، من اجل إشهار حاجتهم الشخصية لوظيفة، وحاجة غيرهم لوظائف، أيضا، فيستقبلهم رئيس الديوان الملكي، ويعدهم بوظائف، فيعودون الى العقبة، على أساس وعد بالعمل خلال أسبوعين، وهو وعد سيتحقق على الاغلب.اضافة اعلان
مثلهم خرج العشرات، من اربد وعجلون ومادبا والكرك ومعان، ومناطق أخرى، والقصة تحمل في طياتها دلالات كثيرة، فنحن امام نصف مليون شخص بلا عمل، في بلد لديه نصف مليون عامل عربي، فوق مئات آلاف العرب والأجانب الذين يعملون بلا تصاريح عمل، او بدعم من قروض وشروط من مؤسسات دولية.
مهمة التشغيل كانت مهمة ديوان الخدمة المدنية، لكن الذهاب الى الديوان الملكي والاستجابة لهم تحمل دلالات كثيرة، ابرزها ان هذا هو ديوان الملك، ولا يتم رد الناس عن بابه، لكن الرسالة الاعمق، تتعلق بالدور الغائب للحكومة، فأين كانت الحكومة عن ملف التشغيل، حتى يضطر الديوان الملكي، أساسا، ان يستجيب ويوظف هؤلاء؟
برغم ان جهات رسمية قالت ان استجابة الديوان كانت بالتنسيق مع الحكومة، الا ان هذا الكلام يأتي دفعا للحرج، وهو حرج تتجنب الحكومة الخوض فيه علنا، خصوصا وهي تعرف ان ملف البطالة على مائدتها، لكنها لا تفعل شيئا من اجل حل هذه المشكلة، بل تتورط بقرارات اقتصادية سيئة تؤدي الى اغلاق المصانع والمصالح التجارية وزيادة عدد العاطلين عن العمل، فيما الديوان بالمقابل يطلق رسالة معاكسة عبر شباب العقبة، قائلا ان مشكلة العاطلين عن العمل يتوجب حلها، فيتجاوب مع القادمين.
تعليقاتنا الجدلية لا تتوقف، لأن بعضنا اعتبر خطوة تجاوب الديوان الملكي مهمة، لكنه سأل عن مصير الوظائف المطلوبة لنصف مليون أردني، او حتى للقادمين من معان والكرك واربد وعجلون ومادبا وبقية المناطق، والكلام على صحته، يتناسى ان القصد كان عدم صد القادمين من العقبة الى ديوان الملك، بعد مسير عدة أيام، فوق الرسالة الاعمق للحكومة، وهي رسالة علنية، لأول مرة، تصدر بهذه الطريقة، مفادها ان عليكم دورا، فأين هو دوركم، ومعالجتكم لملف البطالة، في ظل توقيت تقوم فيه الحكومة بالحصول على قروض ومساعدات مشروطة بتشغيل اشقاء عرب، او حتى في ظل سياسات حكومية، تؤدي الى اغلاق الوظائف الموجودة أساسا، بسبب الضرائب، والرسوم، والكلف؟
بطبيعة الحال، تحويل المهمة من ديوان الخدمة المدنية الى الديوان الملكي، يحمل رسائل إضافية، مفادها ان الديوان يبقى فوق كل الحسابات، ويحل الإشكالات، ويتجاوب مع نبض الناس، وبالمقابل فإن الحل الذي تم كان ممكنا لو قررت الحكومة التحرك منذ شهورها الأولى، وهي التي أعلنت عن ثلاثين الف وظيفة، وعن طموحات بلا حدود عبر بث الوعود في سمائنا، وفوق رؤوسنا واكتافنا.
رئيس الحكومة ذاته يقول انه غير قادر على تأمين مكتب لكل موظف، لكننا نسأل بحق اذا ما كانت سياسات الحكومة، حكيمة أساسا، وهي التي تعاني من ترهل كوادرها، ومصاعب دفع الرواتب، واستحالة التعيين، وهي سياسات ترهق القطاع الخاص، الذي يعد طوق النجاة الوحيد هذه الأيام، لكن يتم سحبه الى ذات بحيرة القرارات المالحة.
نحن هنا، لا نتحدث عن منافسة بين الديوان الملكي والحكومة، لكننا نتحدث عن مشهد صاغه أبناء الجنوب في رحلة الشتاء والصيف نحو عمان، واستحالة صد الديوان لهم، وهو يرى ان رسالة المتعطلين اعمق بكثير من ثلة الشباب الذين تم استقبالهم، نحو ملف البطالة، وملف الأجور أيضا، الذي لا يناقشه احد، على الرغم من معرفة الجميع انها أجور بائسة.
ما فعله الديوان الملكي، كان ممكنا ان تفعله الحكومة، لكن الحكومة غابت عن القادمين من الجنوب والشمال، وكل المملكة، فتدخل الديوان، لكنه تدخل جزئي، يحل مشكلة ثلة من هؤلاء، ويترك كل الملف عالقا امام الحكومة، لنرى الذي ستفعله، بدلا من التواري بعيدا؟
ولتفهم الحكومة، الرسالة جيدا، لأن الاستجابة لا تعني حض نصف مليون أردني على المسير نحو الديوان الملكي، بل تعني سؤالا ينساب بنعومة: أين الحكومة عن هذا الملف؟!