من الذي بدأ حرب الأيام الستة في حزيران (يونيو) 1967؟

الرئيس الأميركي ليندون جونسون وفريقه يتابعون الأزمة العربية الإسرائيلية في العام 1967.-(أرشيفية)
الرئيس الأميركي ليندون جونسون وفريقه يتابعون الأزمة العربية الإسرائيلية في العام 1967.-(أرشيفية)

جيريمي آر. هاموند – (فورين بوليسي جورنال) 5/5/2017

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يدافع بريت ستيفنز، الكاتب في صحيفة "نيويورك تايمز"، عن احتلال إسرائيل لفلسطين من خلال إعادته تجديد الدعاية الصهيونية حول من هو الطرف الذي بدأ حرب الأيام الستة في العام 1967.
* * *
بمناسبة الذكرى الخمسين لحرب الأيام الستة، كتب بريت ستيفنز Bret Stephens في صحيفة "نيويورك تايمز": "في حزيران (يونيو) 1967، أعلن القادة العرب نيتهم القضاء على الدولة اليهودية، وقرر اليهود أنهم لن يجلسوا مكتوفي الأيدي في انتظار ذلك. بجريمة الحفاظ على البقاء الذاتي، يظل عمل إسرائيل جريمة لا تغتفر".

اضافة اعلان


"لا تُغتفر، كما يقول منتقدو إسرائيل الأكثر اعتدالا، لأن حرب الأيام الستة، حتى لو أنها كانت مبررة في ذلك الوقت، فإنها لا تبرر 50 عامًا من الاحتلال".


لكن ستيفنز لا يتفق مع هذا الرأي، مؤكداً أن الرأي القائل بأن الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية غير مبرر "هو هراء لا-تاريخي".


في الحقيقة، إنه بريت ستيفنز نفسه هو المذنب بهذه التهمة بوضوح، حيث لا تفعل مقالته المعنونة "ستة أيام و50 عاما من الحرب"، سوى إعادة إحياء وبث الدعاية الصهيونية المعيارية.


تشويه حرب 1967


يذهب ستيفنز إلى إلقاء اللوم على العرب في بدء "حرب الأيام الستة" التي اندلعت في حزيران (يونيو) 1967، مشيراً إلى قوة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة في شبه جزيرة سيناء سُحِبت بإصرار من مصر، وإلى "الحصار المصري لميناء إيلات الإسرائيلي".


ثم يكتب ستيفنز: "في 5 حزيران (يونيو)، اليوم الأول للحرب، استخدمت الحكومة الإسرائيلية ثلاث قنوات دبلوماسية منفصلة لتحذير الأردن -الذي كان يحتل الضفة الغربية في ذلك الوقت- بعدم البدء في الأعمال العدائية. لكن الأردنيين تجاهلوا التحذير وفتحوا النيران بالطائرات والمدفعية".


هكذا يخدع ستيفنز قراءه بطريقة مخزية ويدفعهم إلى الاعتقاد بأن الأردن هو الذي أطلق الطلقات الأولى للحرب.
والحقيقة أن حرب الأيام الستة بدأتها إسرائيل في صباح يوم 5 حزيران (يونيو) بهجوم مفاجئ على حليفة الأردن، مصر، والذي أدى إلى القضاء على سلاح مصر الجوي بينما كانت معظم طائراتها ما تزال على الأرض.


صحيح أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر أمر قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة (UNEF) بالخروج من الأراضي المصرية. ومن الواضح أن النتيجة التي يفترض أن يتوصل إليها القراء من ذلك هي أن مصر كانت تستعد، بالشراكة مع الأردن، لغزو إسرائيل.


يقول ستيفنز أن الهدف من وجود قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة كانت أن تشكل "قوة عازلة مع مصر". وهذا صحيح، لكن المعنى الضمني الذي قصده، بالنظر إلى السياق الذي قدمه، هو أن الغرض منها كان حماية إسرائيل من عدوان مصري -وهذا تشويه للتاريخ.


ما يرفض ستيفنز إخبار القراء به هو أن قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة تأسست بعد أن تآمرت إسرائيل مع بريطانيا وفرنسا لشن حرب عدوانية على مصر في العام 1956، عقب تأميم عبد الناصر لقناة السويس. ولم يكن الهدف من هذه القوة تأمين وقف الأعمال العدائية والعمل كحاجز لمنع العدوان في المستقبل فقط، وإنما الإشراف على الانسحاب المطلوب للقوات المسلحة الإسرائيلية من سيناء المحتلة أيضاً.


وحتى يقود القراء إلى النتيجة المرجوة، يتجاهل ستيفنز السياق الإضافي ذي الصلة، مثل اتهام حلفاء ناصر له بالاختباء وراء قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة –بدليل فشله في القدوم لمساعدة الأردن عندما غزت إسرائيل في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 1966 الضفة الغربية لإيقاع عقاب جماعي بالسكان المدنيين في قرية السموع بسبب مقتل ثلاثة جنود إسرائيليين على يد جماعة "فتح" الفلسطينية قبل يومين.


كان افتراض إسرائيل أنه من خلال ترويع القرويين، فإنهم سيناشدون الملك حسين، ملك الأردن –البلد الذي كان يدير الضفة الغربية في أعقاب حرب العام 1948 والتطهير العرقي لفلسطين -لتضييق الخناق على "فتح".

وبعد جمع القرويين في ساحة البلدة، شرعت القوات الإسرائيلية في عملية التدمير الوحشي الذي شمل، بحسب محققي الأمم المتحدة، هدم 125 منزلاً وعيادة ومدرسة في القرية. وقُتل في العملية ثلاثة مدنيين فلسطينيين وجُرح ستة وتسعون، وأدان مجلس الأمن الدولي إسرائيل "لانتهاكها ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية الهدنة العامة بين إسرائيل والأردن".


من خلال حذف سياق الإذلال الذي تعرض له عبد الناصر في مواجهة مثل هذا العدوان الإسرائيلي، يترك ستيفنز لدى قرائه انطباعًا بأن مصر كانت تستعد لمهاجمة إسرائيل -بدلاً من إظهار أن ناصر قام بإخراج قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة لحفظ ماء الوجه في أعقاب اتهامات بأنه يختبئ بجُبنٍ وراء قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.


في الواقع، اقترح الأمين العام للأمم المتحدة، يو ثانت، بعد أن طلب عبد الناصر إخلاء القوة من الأراضي المصرية، إعادة تموضع قوات الطوارئ التابعة للأمم المتحدة على الجانب الإسرائيلي من الحدود، لكن إسرائيل رفضت هذا الاقتراح.


وصحيح أيضاً أن مصر أعلنت إغلاق مضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية. لقد رأيت مصر، من زاويتها، أن المضائق هي مياهها الإقليمية. واعتبرت إسرائيل هذا الإعلان ذريعة للحرب -لكنها تلقت مرارًا وتكرارًا تحذيرات من حكومة الولايات المتحدة بضرورة حل مشكلتها مع مصر بشأن استخدام المضائق من خلال الدبلوماسية وليس القوة العسكرية.


وتأتي إشارة ستيفنز إلى إغلاق مصر للمضائق في سياق وصفه لفرنسا والولايات المتحدة بأنهما تخلتا عن إسرائيل في وقت الحاجة، فكتب: "فرنسا، حليفة إسرائيل حتى ذلك الوقت، فرضت حظراً على الأسلحة؛ و… فشل ليندون جونسون في الوفاء بالتأكيدات الأميركية السابقة على كسر أي حصار مصري لميناء إيلات الإسرائيلي".


في حين أن ستيفنز لا يقدم أي تفسير لرفض فرنسا تزويد إسرائيل بأسلحة إضافية (كان قد تم الاعتراف مسبقاً بأنها القوة العسكرية الأكثر جبروتاً في المنطقة)، فإن من الملائم قول أن فرنسا خضعت، إلى جانب إسرائيل، إلى الرقابة من المجتمع الدولي -بما في ذلك الولايات المتحدة- بسبب عدوانهما المشترك على مصر في العام 1956.


في ما يفترض أن يكون سهوًا، لم يذكر ستيفنز تحرك القوات المسلحة المصرية إلى شبه جزيرة سيناء قبل حرب حزيران (يونيو) -وهي حقيقة يتم الاستشهاد بها عادة في مثل هذه الروايات الدعائية الصهيونية كدليل على نية ناصر غزو إسرائيل. في الواقع، قدرت المخابرات الإسرائيلية نفسها، في أعقاب تحرك القوات المصرية، أن ناصر ليست لديه نية لمهاجمة إسرائيل (رأوا أنه ليس مجنونًا ليفعل)، وهو تقييم شاركه معهم مجتمع المخابرات الأميركي.


لاحظت وكالة المخابرات المركزية الأميركية أن القوات المصرية اتخذت مواقع دفاعية بعد أن تلقت تقريرًا استخباراتيًا من الاتحاد السوفياتي يفيد بأن إسرائيل كانت تحشد القوات على الحدود مع حليفة مصر، سورية.

("لم تكن النصيحة السوفياتية للسوريين بأن الإسرائيليين يخططون لشن هجوم بعيدة عن الحقيقة"، حسب تقييم هارولد سوندرز، المحلل في وزارة الخارجية الأميركية لاحقا: "على الرغم من أنهم بالغوا على ما يبدو في تقدير الهدف. ربما كان الإسرائيليون يخططون لهجوم -ولكن ليس غزوًا").


كما تنبأت وكالة المخابرات المركزية الأميركية بدقة وحذرت الرئيس ليندون جونسون من أن الحرب قادمة، وأن إسرائيل هي التي ستبدأها. ويمتلئ السجل الوثائقي للبرقيات الدبلوماسية المتبادلة خلال ذلك الوقت (أي "مجموعة العلاقات الخارجية لوزارة الخارجية الأميركية") بالتحذيرات لإسرائيل من أنه لن يكون من الممكن سياسيًا أن تتدخل الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل -حيث كانت إسرائيل تضغط على إدارة جونسون لكي تفعل -إذا كانت (إسرائيل) هي الطرف المسؤول عن إطلاق الطلقة الأولى للحرب.


على سبيل المثال، كتب الرئيس جونسون في رسالة سلمها إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ليفي إشكول في 28 أيار (مايو): "كصديق لكم، أكرر بقوة ما قلته بالأمس للسيد (أبا) إيبان (سفير إسرائيل في الولايات المتحدة). يجب على إسرائيل ألا تقوم بأي عمل عسكري استباقي وتجعل نفسها بالتالي مسؤولة عن بدء الأعمال العدائية".


بعد حذف كل هذا السياق المهم وخداع القراء للاعتقاد بأن الطلقة الأولى في الحرب أطلقها الأردن، يشرع ستيفنز في وصف إسرائيل بأنها الطرف الذي كان يسعى إلى السلام، بينما رفض العرب الحرونون مبادراتها المنطقية. ودليله على ذلك هو قرار مجلس الوزراء الإسرائيلي في 19 حزيران (يونيو)، بعد تسعة أيام من انتهاء الحرب، "عرض عودة الأراضي المحتلة من مصر وسورية مقابل السلام والأمن والاعتراف".


ولكن، لو أرادت إسرائيل السلام مع جيرانها العرب حقا لكان بإمكانها ببساطة اختيار عدم شن حرب الأيام الستة في المقام الأول، والاستجابة بدلاً من ذلك لنصيحة إدارة جونسون بالسعي إلى إيجاد حل للتوترات المتصاعدة من خلال الوسائل الدبلوماسية وفقًا لالتزامات إسرائيل بموجب ميثاق الأمم المتحدة.


وبينما يحذر ستيفنز قراءه من "الوقوع فريسة للمجاز الكسول في عبارة ’50 عامًا من الاحتلال‘"، والذي يستخدم حتماً لإدانة إسرائيل"، فإنه يجادل بأنه "ما كان ليكون هناك احتلال، ولا مستوطنات، لو لم تقم مصر وحلفاؤها بإطلاق شرارة الحرب بتهور".


غني عن القول أنه ما كان ليكون هناك احتلال مستمر بعد 50 عامًا، ولا استعمار إسرائيلي غير شرعي للضفة الغربية المحتلة، لو لم تكن إسرائيل قد بدأت حرب العام 1967 بعملها العدواني ضد مصر، واغتنمت الفرصة للانخراط في احتلال الأرض سعياً إلى تحقيق الحلم الصهيوني بكسب سيطرة يهودية على كامل أراضي فلسطين التاريخية.


ويخلص ستيفنز إلى أنه "في العام 1967، أُجبِرت إسرائيل على خوض حرب ضد أعداء حسدوها حينئذٍ على السلام".


لكن إسرائيل هي التي اختارت في العام 1967 شن حرب على جيرانها، ثم حاولت استخدام الأراضي التي احتلتها كورقة مساومة للحصول على تنازلات من مصر وسورية، مثل الإذعان لرفض إسرائيل حق الفلسطينيين -الذين جعلتهم عملية التطهير العرقي التي نفذها الصهاينة لاجئين- في العودة إلى وطنهم.


بكلمات رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، في العام 1982، "في حزيران (يونيو) 1967 كان لدينا خيار آخر مرة أخرى.

لم تكن تركزات الجيش المصري في تقرب سيناء تثبت أن ناصر كان على وشك مهاجمتنا. يجب أن نكون صادقين مع أنفسنا. نحن الذين قررنا مهاجمته".


الدفاع عن نظام الاحتلال الإسرائيلي


يختتم ستيفنز روايته للكيفية التي بدأت بها حرب العام 1967 من خلال تلخيص التاريخ منذ ذلك الحين مع تكرار نقاط الحديث المعيارية الإضافية للدعاية الصهيونية.


كتب: "في العام 1973 شنت مصر وسورية هجوماً مفاجئاً مدمراً على إسرائيل"، وهو ما يعني في الحقيقة أن مصر وسورية هاجمتا القوات الإسرائيلية التي تحتل، على التوالي، الأراضي المصرية في شبه جزيرة سيناء والأراضي السورية في مرتفعات الجولان.


ثم يطرح المجاز الكسول (باستعارة عبارته) بأن الفلسطينيين ليس لديهم من يلومونه إلا أنفسهم على الاحتلال الإسرائيلي المستمر لأنهم رفضوا العروض الإسرائيلية المتكررة بإقامة دولة في ظل ما يُطلق عليه بتعبير ملطف اسم "عملية السلام".


يصف ستيفنز "اتفاقيات أوسلو للعام 1993" -(تم توقيع اتفاقية أوسلو الثانية في العام 1995، في الواقع، وليس في العام الذي وقعت فيه الأولى)- على أنها جهد "جاد" للتوصل إلى اتفاق سلام. وفي الواقع، كما وثقت في كتابي "عقبة أمام السلام: دور الولايات المتحدة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" Obstacle to Peace: The US Role in the Israeli-Palestinian Conflict، فإن ما تسمى بـ"عملية السلام" التي تقودها الولايات المتحدة هي الوسيلة التي أعاقت من خلالها إسرائيل والقوة العظمى الداعمة لها منذ وقت طويل تنفيذ حل الدولتين، الذي يتمتع بخلاف ذلك بإجماع المجتمع الدولي.


للتوضيح، كتب ستيفنز أنه "في العام 2000، في كامب ديفيد، عرضت إسرائيل على (زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر) عرفات دولة. وقد رفضها".


في الواقع، كان ما "عرضته" إسرائيل على الفلسطينيين في كامب ديفيد يقصر كثيرًا عن السيادة واحترام إسرائيل لحقهم في تقرير المصير. في الإطار المناسب لما لكل طرف حق فيه بموجب القانون الدولي -وعلى عكس الإطار المعتمد في إطار "عملية السلام" القائم على رفض إمكانية تطبيق القانون الدولي واستبداله بما تريده إسرائيل- قدمت إسرائيل بالضبط صفرًا من التنازلات في كامب ديفيد.


كل تنازل طُلب -ونُفذ بالأحرى- جاء من الجانب الفلسطيني، الذي كان قد تنازل لإسرائيل مسبقا عن 78 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية على الجانب الإسرائيلي من خطوط الهدنة للعام 1949 (المعروفة أيضا باسم خطوط ما قبل حزيران (يونيو) 1967 أو "الخط الأخضر"، بحسب اللون الذي رُسم به على الخريطة).


كان ما سعى إليه عرفات في كامب ديفيد اتفاقية تسمح للفلسطينيين بإقامة دولتهم في الـ22 في المائة المتبقية من الأراضي، والتي تضم قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.

(أقر مجلس الأمن الدولي مرارًا وتكرارًا بأن تحركات إسرائيل لضم القدس الشرقية غير قانونية ولاغية وباطلة؛ وهي تبقى بموجب القانون الدولي "أراض فلسطينية محتلة"، على حد قول محكمة العدل الدولية بشأن هذه المسألة).


تضمن "العرض" الإسرائيلي في كامب ديفيد مطالبة الفلسطينيين بالتنازل عن المزيد من أراضيهم من خلال الرضوخ لضم إسرائيل لحوالي 9 بالمائة من الضفة الغربية المحتلة -بما في ذلك القدس الشرقية وبعض أفضل الأراضي التي أقامت إسرائيل مستوطنات فيها في انتهاك للقانون الدولي.


وثمة مطلب إسرائيلي آخر غير صالح لأن يكون بداية، هو أن يتنازل الفلسطينيون عن حق اللاجئين بسبب التطهير العرقي الذي نفذه الصهاينة في العام 1948 في العودة إلى وطنهم.


وفي ذلك الحين، قال عرفات المحبط للرئيس الأميركي بيل كلينتون: "شعبنا لن يقبل بأقل من حقوقه المنصوص عليها في القرارات الدولية والشرعية الدولية".


على عكس توصيف ستيفن، فإن عرض إسرائيل السخي المفترض في كامب ديفيد كان قاصرا جدا عن الامتثال الإسرائيلي للقانون الدولي واحترام حقوق الفلسطينيين.


وفي السياق نفسه، كتب ستيفنز أنه "في العام 2008، عرض رئيس الوزراء إيهود أولمرت إقامة دولة فلسطينية في غزة و93 بالمائة من الضفة الغربية. ورفض الفلسطينيون الاقتراح بشكل قاطع".


ولا يكلف ستيفنز نفسه عناء شرح سبب وجوب موافقة الفلسطينيين على ضم 7 في المائة من الضفة الغربية المحتلة إلى إسرائيل، بما في ذلك القدس الشرقية بطبيعة الحال، فضلا عن التنازل عن حق اللاجئين الفلسطينيين المعترف به دوليا في العودة إلى وطنهم.

(كان "عرض" أولمرت يتألف أيضا من مطالبة السلطة الفلسطينية -الهيئة الإدارية التي تم إنشاؤها بموجب اتفاقيات أوسلو لتعمل فعليا كعميل إسرائيل لفرض نظام الاحتلال- بالإطاحة بحماس واستعادة السيطرة على غزة. ومحدوداً بمدى تعاونه مع إسرائيل بإرادة الناس الذين يدعي أنه يمثلهم، رفض محمود عباس بشكل مبرر سلسلة الإنذارات التي أطلق عليها اسم "عروض"، باعتبارها "مضيعة للوقت".


ويتابع ستيفنز: "في العام 2005، قامت حكومة يمينية إسرائيلية أخرى بإخراج جنودها ومستوطنيها ومستوطناتها من قطاع غزة. وبعد ذلك بعامين، سيطرت حماس على المنطقة واستخدمتها لشن ثلاث حروب في غضون سبع سنوات".


في الواقع، كان انسحاب إسرائيل من غزة في العام 2005، الذي دبره رئيس الوزراء أرييل شارون، مجرد وسيلة لكسب النفوذ السياسي المطلوب لتوسيع وتعزيز نظامها الاستيطاني غير القانوني، بما في ذلك البناء غير القانوني لجدار الضم داخل الضفة الغربية المحتلة.


صحيح أن حماس أخذت السيطرة على غزة في العام 2007، لكن ما رفض ستيفنز إبلاغ قراء "التايمز" به هو أن هذا كان نتيجة لجهد مشترك بذلته الولايات المتحدة وإسرائيل للإطاحة بالحكومة التي تقودها حماس بعد أن كسبت السلطة بشكل شرعي من خلال انتخابات ديمقراطية في العام السابق.


لمعاقبة السكان المدنيين في غزة على تصويتهم بالطريقة الخاطئة، قامت إسرائيل بعد ذلك بفرض حصار على القطاع، وفرضت قيودا شديدة على حركة البضائع والأشخاص من غزة وإليها.


وقد لخص الغرض من الحصار الإسرائيلي غير القانوني لغزة كبير مستشاري شارون، دوف فايسغلاس، حين قال: "إنه مثل موعد مع اختصاصي تغذية. سوف صبح الفلسطينيون أكثر نحافة، لكنهم لن يموتوا".


كانت حكومة الولايات المتحدة تدرك جيدا نية إسرائيل فرض عقوبات جماعية على السكان المدنيين في غزة. ونقلت برقية من السفارة الأميركية في تل أبيب إلى كبار مسؤولي إدارة بوش، بمن فيهم وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، أن "المسؤولين الإسرائيليين أكدوا لمسؤولي السفارة في مناسبات عديدة أنهم يعتزمون إبقاء اقتصاد غزة يعمل عند أدنى مستوى ممكن بما يتفق مع تجنب حدوث أزمة إنسانية" -مع استخدام وصف "أزمة إنسانية" كتعبير ملطف للإشارة إلى النقطة التي سيبدأ عندها سكان غزة في الموت بسبب مجاعة صريحة.


بالنسبة لـ"الحروب" الثلاثة التي يشير إليها ستيفنز، كان هذا وصفه الملطف أيضا للهجمات العسكرية الإسرائيلية التي تهدف إلى إنزال المزيد من العقوبة بالسكان المدنيين العزل في غزة: "عملية الرصاص المصبوب" في 2008-2009، و"عملية عمود السحاب" في 2012، و"عملية الحافة الواقية" في العام 2014.


في الواقع، قبل كل من هذه الهجمات على غزة، كانت إسرائيل هي التي انتهكت اتفاقيات وقف إطلاق النار مع حماس.


في العام 2008، على سبيل المثال، بينما التزمت حماس بصرامة بوقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في حزيران (يونيو)، انتهكته إسرائيل بشكل روتيني مع استمرارها في الحصار وإطلاق النار عبر الحدود وتوغلها في 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الذي قتلت فيه ستة من أعضاء حماس.


وقامت إسرائيل بشن هجومها في العام 2012 في اليوم التالي لإقناع حماس مرة أخرى الفصائل العسكرية الأخرى في القطاع بالالتزام باتفاق وقف إطلاق النار، الذي استخدمته إسرائيل لإخراج مسؤول كبير في حماس من الاختباء لتقوم باغتياله في بداية عمليتها المخططة.


وفي العام 2014، عندما شنت حماس أول هجوم صاروخي لها على إسرائيل في 6 تموز (يوليو)، كانت إسرائيل قد قصفت غزة مسبقا طوال أسبوع (ورفضت جهود حماس من خلال وسطاء مصريين لإعادة تفعيل وقف لإطلاق النار).


في كل من هذه الهجمات العسكرية على قطاع غزة الأعزل، نفذت إسرائيل بشكل فعال ما أطلقت عليه مؤسستها العسكرية اسم "عقيدة الضاحية" -في إشارة إلى تسوية منطقة الضاحية في بيروت بالأرض لمعاقبة سكانها المدنيين بشكل جماعي خلال حرب إسرائيل على لبنان في العام 2006.

الخلاصة


يتطلب الأمر قدرا كبيرا من الوقاحة حتى يتهم بريت ستيفنز الآخرين بـ"الهراء اللا-تاريخي" بينما لا يفعل هو أي شيء سوى إعادة عرض الدعاية الصهيونية القياسية وتضليل قراء عموده في صحيفة "نيويورك تايمز" عن عمد، بدفعهم إلى الاعتقاد بأن إسرائيل ليست هي التي بدأت حرب حزيران (يونيو) في العام 1967.


وهو يعزز هذا الخداع من خلال وصف إسرائيل -زورا- بأنها لم تكن أيضا الطرف المسؤول عن انتهاك اتفاقيات وقف إطلاق النار مع حماس قبل عملياتها في غزة في الأعوام 2008-2009، و2012، و2014.


بينما يحاول ستيفنز الدفاع عن احتلال إسرائيل المستمر من خلال وصف الفلسطينيين بأنهم يرفضون بشكل غير معقول عروضها المفترضة للسلام، فإن الحقيقة هي أن القيادة الفلسطينية قبلت منذ فترة طويلة حل الدولتين، الذي رفضته منذ إطلاقه إسرائيل وراعيتها القوة العظمى، حكومة الولايات المتحدة الأميركية.

*جيريمي ر. هاموند Jeremy R. Hammond: محلل سياسي مستقل وصحفي وناشر ومحرر لمجلة السياسة الخارجية Foreign Policy Journal، ومؤلف العديد من الكتب، منها "عقبة أمام السلام: دور الولايات المتحدة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"؛ "رفض تقرير المصير الفلسطيني"؛ و"كشف خديعة صهيونية".


*نشر هذا المقال تحت عنوان: Who Started the Six Day War of June 1967?

إقرأ المزيد :