من الفدرالية إلى الكونفدرالية

ظل الاتحاد بين ضفتي نهر الأردن اندماجيا حتى احتلال إسرائيل الضفة الغربية العام 1967. وفي إطار جهود الأردن لاستعادة الضفة الغربية، طرح العام 1972 مشروع المملكة العربية المتحدة، باعتباره صيغة فدرالية بين الضفتين، كإقليمين مستقلين لكل منهما عاصمته وحكومته، ومجلس نوابه وحاكمه الخاص، تجمعهما حكومة مركزية مسؤولة عن الشؤون الخارجية والدفاع، وجيش واحد يرأسه الملك، وتكون المحكمة العليا هي السلطة المركزية للإقليمين.اضافة اعلان
لم ينجح مشروع المملكة العربية المتحدة لرفضه بقوة من قبل منظمة التحرير الفلسطينية والدول العربية. وبقيت إسرائيل منقسمة بين مؤيد للخيار الأردني (خيار التفاوض مع الأردن)، ومؤيد للخيار الفلسطيني (خيار التفاوض مع الفلسطينيين). ولم ينقذ المشروع من الفشل استعداد الأردن لتفويض جامعة الدول العربية الإشراف على الضفة الغربية حال انسحاب إسرائيل منها.
قرار قمة الرباط العام 1974، والقاضي بوحدانية تمثيل منظمة التحرير، جمد قدرة الأردن على إطلاق المبادرات السياسية بشأن الضفة الغربية، إلى أن لاحت الفرصة أمامه من جديد لإطلاق مبادرة مشتركة مع منظمة التحرير إثر استضافة الأردن للمؤتمر الوطني الفلسطيني السابع عشر، في تشرين الثاني (نوفمبر) 1984، بعد أن رفضت الدول العربية استضافته. إذ تم توقيع اتفاق 11 شباط (فبراير) 1986 للتعاون المشترك بين الأردن والمنظمة، وسمي "اتفاق عمان".
"اتفاق عمان" هو أول من أطلق فكرة الكونفدرالية بين الأردن والضفة الغربية. فقد نص على تحرك الأردن ومنظمة التحرير معا من أجل العمل في إطار الجهود السياسية الدولية، وذلك على الأسس التالية: انسحاب إسرائيل من كامل الأراضي المحتلة العام 1967، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره (في إطار اتحاد كونفدرالي مع الأردن)، وحل مشكلة اللاجئين على أساس قرارات الأمم المتحدة. وفي الاتفاق تم لأول مرة ربط حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بإطار كونفدرالي مع الأردن. وقد جاءت موافقة منظمة التحرير على ذلك تحت تأثير عزلتها في تونس بعد إخراجها من بيروت.
منذ "اتفاق عمان"، ما يزال الموقف الأردني من موضوع الكونفدرالية حتى اليوم ثابتا، مؤكدا أن الكونفدرالية لا تكون إلا بين دولتين، وأن الدولة الفلسطينية الناجزة هي التي يجب أن توافق على الاتحاد كونفدراليا مع الأردن. وكان نفر نافذ في السياسة المحلية قد حاول في العام 2007 تسريب وثيقة لجهات دولية ودول كبرى، ملمحا لإمكانية استبدال عبارة "قيام الدولة الفلسطينية" كشرط للكونفدرالية، بعبارة "إعلان الدولة الفلسطينية"؛ لكن تم إحباط ذلك المسعى.
إذا كانت وحدة الضفتين قد لاقت كل الترحيب عندما بدأت اندماجية العام 1950، ثم أرادها الأردن وحدة فدرالية في مشروع المملكة العربية المتحدة، ثم قبِلها وحدة كونفدرالية في "اتفاق عمان"، فلا ندري لم كل هذه "الولولة" التي يثيرها البعض في الجانبين الأردني والفلسطيني حول الكونفدرالية هذه الأيام، وهي لم تزل مشروطة بقيام دولة فلسطين أولا!
البعض يوازي بين الكونفدرالية وحلم إسرائيل بما يسمى الوطن البديل. وهذا تفكير مشوش، يدعو إلى بلبلة لا مبرر لها. فالأمر واضح كل الوضوح؛ الدولة الفلسطينية هدف يستحق الإسناد، واتحاد الأردن معها كونفدراليا بعد قيامها أمر مرحب به. فكيف لمن رحب بوحدة فوق فيدرالية (اندماجية) العام 1950، أن لا يرحب بوحدة أقل من فدرالية بمستوى الكونفدرالية! وكيف يستوي أن ينظر إلى وحدة 1950 الاندماجية على أنها لا تقود إلى وطن بديل، بينما يتم النظر إلى وحدة كونفدرالية ذات مستوى توحيدي أقل، على أنها الطريق لقيام وطن بديل!

[email protected]