هيثم الكسواني
انشغل العالم خلال العقدين الماضيين بـ”الحرب على الإرهاب”، لا سيما في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، يومها أطلق الرئيس الأميركي جورج بوش الابن عبارته الشهيرة “من ليس معنا فهو ضدنا”، فاصطف العالم –طائعا أو مكرها- خلف الولايات المتحدة في حربها ضد تنظيم القاعدة وما تفرّع عنه من خلايا وشبكات وفروع.
استهلكت “الحرب على الإرهاب” خلال تلك السنين الكثير من الجهود، وسالت فيها دماء كثيرة، وسقطت فيها دول وأنظمة، وتراجعت بسببها قطاعات اقتصادية عديدة منها السياحة والنقل بأنواعه، وشهد الاقتصاد العالمي حالة من الانكماش والتراجع.
وما أن بدأت دول العالم تنفض عن نفسها غبار تلك الحرب حتى برزت حرب أخرى، يسقط فيها الضحايا تلو الضحايا، هي الحرب ضد فيروس كورونا الذي أصبح المرتبة الأولى في قائمة الأخطار التي يواجهها العالم اليوم، واتسعت رقعته حتى أن دخوله إلى بلدٍ ما أصبح مسألة وقت ليس إلا، وبسببه يتخذ العالم تدابير غير مسبوقة لم تحصل خلال حربه على الإرهاب.
قائمة الوفيات والإصابات في تزايد مستمر، وهي تشمل النخب من العلماء والمسؤولين والعاملين في القطاع الطبي والمسؤولين والرياضيين، كما تشمل عامة الناس، ولم يبق قطاع اقتصادي أو غير اقتصادي إلاّ وتعرض للضرر، ليس في الصين التي ظهر فيها الفيروس فحسب، بل وفي معظم دول العالم، فقطاعات السياحة والنقل والشحن والصناعة تعاني أشد المعاناة، والأنشطة والفعاليات الثقافية والرياضية والتجارية ما لم يتم إلغاؤه منها هو في طريقه للإلغاء، كي لا تساهم التجمعات في انتشار الفيروس أو تمدده.
إغلاق المدارس والجامعات ودور العبادة والسينما والمتاحف وتأجيل لمناورات عسكرية وتعليق العمرة كلها أصبحت إجراءات اعتيادية في ظل الحرب على “كورونا”. كل شيء معرّض للإلغاء والإغلاق، ولن يكون متحف اللوفر الفرنسي العريق آخرَها.
ولم يَعُد الأفراد أحرارا في تنقلاتهم، فمدنٌ كاملة وبلدات وأحياء تعيش في ظل حظر التجول والإقامة الجبرية، ومشهد إغلاق الحدود أصبح مشهدا اعتياديا، يكفي أن ترتفع حرارة الشخص إلى ما فوق 37ْ، ولو بقليل، كي يتم اعتباره “إرهابيا” ويتم إعادته إلى حيث أتى أو منعه من الصعود إلى الطائرة، أو إغلاق الحدود في وجهه، والكلمة العليا في هذا الموضوع للماسحات الحرارية التي سبقت كلمتها كل دوائر الهجرة والجوازات وإجراءات منح التأشيرات.
بدأ “كورونا” يغيّر من شكل العالم وحساباته وأولوياته وتوجهاته وطريقة معيشته، الآن أصبح الطلاب الصينيون في المناطق المنكوبة يتلقون دروسهم عبر الإنترنت، وإذا كان من الصعب حاليا توقّع ما ستؤول إليه الأمور، وما إذا سيتم اكتشاف لقاح ناجح للقضاء عليه في المدى القريب أم لا، فإن الثابت أن تداعياته وأثره وانخراط العالم في محاربته ربما ستفوق محاربته للإرهاب وتداعياته.