سهر العالول
ها قد بدأنا أول فصول العزل الاجتماعي بسبب فيروس كورونا بعطلة إجبارية للمدارس، علت أصوات الأمهات والأهل العاملين تنادي بمواءمة ظروف عملهم للتناسب مع مسؤولياتهم العائلية برعاية أطفالهم خلال أسبوعي الإجازة.
بدورهم، صاحبات وأصحاب العمل ومديرو ومديرات المؤسسات تجاوب العديد منهم مشكورين بمنح إجازات للأمهات العاملات بعضهم بشكل استثنائي وبدون خصم من الإجازة السنوية، والبعض احتسبها منه.
لكن أيا منهم لم ينظر الى قضية العمل الرعائي غير مدفوع الأجر الذي ينطوي تحته رعاية الأطفال بشكل أساسي على انها مسؤولية مشتركة للأم والأب والدولة أيضًا التي عليها دور وضع سياسات وتأمين ظروف عمل تتناسب مع احتياجات القوى العاملة.
هذا العمل الرعائي امتد دوره ليؤثر على مشاركة المرأة الاقتصادية أيضًا يحرمها من الفرص تارة ويربطها بقطاعات رعائية خارج المنزل مثل التعليم والتمريض تارة أخرى، ويحرمها بأعبائه المتزايدة من الاستمرار في العمل الأمر الذي يؤدي بالنتيجة الى الوقوف عقبة أمامها تعيق وصولها إلى مراكز صنع قرار قيادية.
موضوع تحميل هذا العمل الرعائي غير مدفوع الأجر على المرأة وحدها وتحديدا الأم هو ممارسة عالمية أزلية اختارت تعزيزها النظم الرأسمالية ومكنتها النيوليبرالية بكافة ممارستها في سوق العمل.
فالمجتمع حتى يتفرغ للعمل والإنتاج يحتاج لقوى عاملة قادرة على الوصول لسوق العمل وتتحمل أعباءه لتنتج بشكل فعال يحرك عجلة الاقتصاد.
مسؤولية “إنتاج” هذه القوى العاملة تقع بيولوجيا على المرأة ورعاية هذه القوى العاملة حتى تصبح منتجة ارتبط أيضًا بالمرأة للسبب الآنف، “هي التي انجبت فهي التي تتحمل اعمال الرعاية”.
وعززت هذه الفكرة، طبيعة العمل الرأسمالية التي تحتاج لقوى عاملة قادرة لكن لا تريد ان تتحمل “تكلفة” ومسؤولية رعايتها، فزادت في تحميل المرأة هذا الدور الرعائي الأساسي والضامن لسير الاقتصاد والمجتمع بل واستمرار الحياة، والسبب انه دور تقوم به النساء بلا أجر أو قيمة اقتصادية محسوبة من ضمن تكلفة الإنتاج.
فتخيلوا ماذا ستكون قيمة هذا العمل الرعائي لو احتسبناه او تكلفته على النظم الاقتصادية القائمة؟
مؤسسة اوكسفام العالمية احتسبت القيمة في تقرير أصدرته مطلع هذا العام وقدرته بقيمة 10.8 تريليون دولار سنويًا أو 12.5 بليون ساعة من العمل الرعائي غير مدفوع الأجر الذي تقوم به النساء من عمر 15 عامًا فما فوق حول العالم.
تخيلوا لو دخلت هذه القيمة غير المدفوعة من العمل الرعائي على حسبة الإنتاج في الاقتصاد العالمي وتأثير ذلك على الربح الذي تجنيه الرأسمالية العالمية المتربحة بشكل فاحش على ظهور نساء العالم!
إذا ما الحل؟
بداية يجب ان نعترف كأفراد ومجتمع ودولة بقيمة هذا العمل الرعائي وبأهميته وضرورة أن نعيد توزيعه بيننا نساء ورجالا ودولة ايضا عبر سياسات عمل داعمة ومرنة تتناسب مع الظروف الاستثنائية التي يمر بها سوق العمل حاليًا، وتحمل الدولة أيضًا مسؤولية دعم وإنشاء وضمان استمرار الحضانات المؤسسية وتقديم حلول رعائية وفق احتياجات كل قطاع، وإيجاد حوافز ضريبية تشجع الأهل على وضع أطفالهم في الحضانات وتشجع القطاع الخاص على إنشائها بمعايير موحدة وبيئة عمل لائقة لمقدمات الرعاية فيها.
إن إعادة النظر بالعمل الرعائي غير مدفوع الأجر والاعتراف به وإعطائه قيمته وتوزيعه داخل المنزل بشكل متساوٍ وتحمل الدولة مسؤليتها باعتبار أن الأطفال هم أبناء الأردن هي خطوة لا غنى عنها للنهوض بوطننا اقتصاديا واجتماعيا بل وسياسيا أيضا.
عضوة الفريق الإداري- مؤسسة صداقة نحو بيئة عمل صديقة للمرأة العاملة